منهج النقد في علوم الحديث
منهج النقد في علوم الحديث
প্রকাশক
دار الفكر
সংস্করণের সংখ্যা
الثالثة
প্রকাশনার বছর
١٤٠١ هـ -١٩٨١ م
প্রকাশনার স্থান
دمشق - سورية
জনগুলি
المقدمات
التقريظ:
كلمة جامعة لفضيلة الأستاذ الجليل العلامة الدكتور الشيخ محمد محمد أبو شهبة، أستاذ التفسير والحديث في الدراسات العليا في جامعة الأزهر سابقا، وفي كلية الشريعة بمكة المكرمة حاليا، وعميد ومؤسس كلية أصول الدين في أسيوط، وصاحب المؤلفات العلمية القيمة في الحديث، وعلومه، ورجاله، نثبت نص كلمته فيما يلي (١):
"الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فإن كتاب: "منهج النقد في علوم الحديث" لمؤلفه العلامة الأستاذ الدكتور نور الدين عتر كتاب قيم جليل تميز على المؤلفات في هذا الفن بمزايا كثيرة تجعله في مقدمة المؤلفات الحديثة في هذا الفن الجليل.
ومن هذه المزايا:
أ- حسن التقسيم والتفصيل: فإن المؤلف الفاضل قد ابتكر في
_________
(١) وقد اكتفينا بهذه الكلمة عن التقاريظ الكثيرة التي تلقيناها من عدد من كليات الشريعة وأصول الدين والمراكز العلمية. ومن فضيلة العلامة المحقق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي محدث الديار الهندية ورئيس مجلس الإفتاء، ومن الأستاذ الدكتور يوسف وإن إس رئيس قسم الدراسات العربية في جامعة توبنجن: ومن كبار المستشرقين في أوربة.
هذا مع شكرنا الجزيل للجميع، من ذكرنا ومن لم نذكر، أجزل الله مثوبتهم، وجعلنا خيرا مما يظنون.
1 / 7
تقسيم وتنويع "علوم الحديث" أو "أصول الحديث" فصاغه صياغة جديدة، في نظرية علمية كاملة تبرز كمال هذا العلم ودقته، وتجعل الأنواع المتعلقة بكل جانب من الحديث مجتمعة في باب خاص، فجعل ما يتعلق بالمتن من أنواع علوم الحديث أو قواعد الحديث على حدة، وما يتعلق بالأسانيد على حدة، وما يجمع بين الأسانيد والمتون على حدة، بالإضافة إلى الدراسة التاريخية المبتكرة لأدوار هذا العلم، وكيف كان الحديث يحاط في كل عصر بما يكفل حفظه من الدس أو الخلط.
كل هذا مع المحافظة على جوهر هذا العلم وعرضه في حلة جديدة، فكان الكتاب بذلك وثيقة علمية هامة وفريدة في طريقتها يثبت حفظ هذه الأمة لحديث نبيها ﷺ وصيانتها إياه، ويبطل ما قد يقع في بعض الأوهام من شك أو تردد.
وما أشد حاجة طلاب العلم في الجامعات الإسلامية وغيرها إلى هذه التآليف المبسطة والمقدمة في أسلوب سهل، والتي تعالج ما ثار من شبهات حول هذا الفن. وقد قام المؤلف بذلك خير قيام.
ب- الاعتناء بضرب الأمثلة لأنواع علوم الحديث، وعدم الاقتصار على الأمثلة التي ذكرها الأئمة القدامى، كما نجده في المؤلفات الأخرى، مع الاعتناء بشرح الأمثلة اعتناء جيدا. وقد سهل له هذا اطلاعه على كتب الحديث ورواياته المشهورة، وهذا أمر يلمسه من يقرأ هذا الكتاب بتمعن. وبذلك زاد في العلم زيادات أثرت هذا العلم وجعلته صالحا للتجديد.
جـ- العناية الفائقة بتخريج الأحاديث التي مثل بها لأنواع علوم الحديث، ومنهاج النقد عند المحدثين، وعزوها إلى مخرجيها الذين رووها في كتبهم، وبيان الراجح في الحكم على الأحاديث التي اختلف في بيان درجتها علماء الحديث والجرح والتعديل، فلم يكن مجرد ناقل، وإنما
1 / 8
جمع إلى ذكر أقوال العلماء الترجيح، وبذلك ظهرت شخصيته العلمية واضحة في هذا الكتاب.
د- العناية بالتعريف بالأعلام الذي ذكروا في هذا الكتاب بتواريخ وفيات العلماء: وهذا من الأمور المهمة التي ينبغي أن يعنى بها المؤلفون في أي فن، وبذلك يضع أمام القارئ صورة صادقة للتطور العلمي، والتدرج في التأليف في هذا الفن وغيره من العلوم وزبدة تاريخ كل علم، دون ما بحث أو جهد من القراء، وقد بدا ذلك واضحا في الكتاب.
هـ- سعة الاطلاع على كتب هذا الفن التي تكون في مجموعها مكتبة مستقلة بذاتها، وإن القارئ ليلمس أن المؤلف الفاضل غاص في أعماقها من مخطوط ومطبوع، واستخرج درر فوائدها، ثم نظمها نظما بديعا في هذا الكتاب.
وومن محاسن هذا الكتاب دقة التحرير للأقوال والآراء التي كثرت فيها الخلافات، والتوفيق بين الآراء التي ظاهرها التعارض، وبيان أن الاختلاف بين العلماء في العبارات، إنما يرجع إلى الاختلاف في الأنظار والاعتبارات، وبذلك رفع عن أئمة الحديث ما عسى أن يأخذه عليهم من لم يتبحر في هذا الفن، ولم يقف على اجتهاداتهم فيه، فيرميهم بالتناقض وإنهم يخالف بعضهم بعضا، وذلك مثل ما فعل في بحث المنقطع، وبحث المرسل، وبحث الشاذ، والمنكر، وغيرها.
ز- الرد على بعض المؤلفين الذين ألفوا في هذا الفن، فلم يوافقوا الصواب، بعبارة عفة مهذبة، وبذلك سار على نهج أئمة الحديث في النقد من أمثال الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم. وهذا من أحسن المناهج في النقد الموضوعي، وليس أدل على ذلك مثل ما ذكره في هامش ص ٣٨٣
1 / 9
وهامش ص" (٤٠٣) " (١).
ح- عناية المؤلف بالرد على بعض الآراء الاستشراقية التي لم تقم على أساس علمي سليم، وإنما هي أفكار صليبية، ظهرت واستعلنت على ألسنة هؤلاء المستشرقين الذين تجنوا على السنن والأحاديث تجنيا مذموما كي يشككوا المسلمين في الأصل الثاني من أصول التشريع، ذلك كما صنع في مواضع أثناء الكتابة، ثم في (٣٩٠) وما بعدها إلى آخره (٢). وقد ناقش المستشرقين مناقشة جادة منصفة، تتسم بالنقد الموضوعي.
ط- حرصه في بحوثه على بيان أن مناهج المحدثين في النقد سواء كان ذلك في النقد الداخلي: نقد المتون. أم في النقد الخارجي: نقد السند هي آصل المناهج في النقد وأدقها.
ويظهر ذلك جليا في الخاتمة تحت عنوان: مناقشات ونتائج. ص (٤٣٢) وما بعدها (٣). وهذه الخاتمة بما لخصه فيها من نتائج تعتبر قيمة جدا، وهكذا فلتكن البحوث الجادة الهادفة.
ي- إبرازه دقة تطبيق المسلمين لهذا المنهج النقدي الدقيق الكامل الشامل كل جوانب النقد، ودحضه مزاعم المستشرقين الذين تقوَّلوا الأقاويل الباطلة في هذا الموضوع، ودعم ذلك بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة.
وبعد هذا المطاف في هذا المؤلف القيم "منهج النقد في علوم الحديث" فإنا نؤكد الإشادة بمزاياه، وجمعه بين أصالة القديم وجدة الحديث، وحسن العرض للمعلومات الحديثية الدقيقة، وبيان تحقق إنجاز الوعد الإلهي:
_________
(١) انظر مقابلها ص ٤٠٦ و٤٢٧ من هذه الطبعة.
(٢) انظر ص ٤١٠ وما بعدها من هذه الطبعة.
(٣) انظر ص ٤٥٧ وما بعدها من هذه الطبعة.
1 / 10
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
بما وفق الله المسلمين إليه من صيانة الأحاديث النبوية، وذلك كله في أسلوب سهل قريب، ونشيد به ونقرظه لما فيه من الإثراء لهذا العلم الإسلامي العظيم: علم السنن والأحاديث. فقد أفاد المؤلف هذا العلم إفادة ظاهرة واضحة، وخدمه خدمة جليلة.
وإن من يبتكر هذا النظام البديع لعلوم الحديث ويقارع المستشرقين وأضرابهم بهذه الحجج الباهرة، وبهذا البيان الساطع والفكر النير ينبغي أن يعطى حقه ويعرف فضله، وينتفع به.
ونسأل الله لنا وله التوفيق والسداد، وأن ينفع بعلمه طلاب هذا اللون من الثقافة الإسلامية الأصيلة. إنه نعم المولى ونعم النصير، ونعم المكافئ والمجازي للعلماء العاملين.
في ٢٠/ ١١/ ٩٨ هـ
خادم القرآن والسنة
الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة
1 / 11
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير الطبعة الثالثة:
الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين، والذي جاء بهذا الدين الحكيم، المحفوظ من كل تغيير وتبديل، بحفظ رب العالمين إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه، ومن سلك سبيلهم وتمسك بحبل السنة المتين.
أما بعد:
فهذه الطبعة الثالثة لكتابنا "منهج النقد في علوم الحديث"، نقدمها لمحبي علم السنن والآثار، بل لكل باحث ناقد، يتوجه إلى الحقيقة بعقل علمي ممحص، ولكل مثقف يريد أن يقف على أصول هذا الدين، ليستيقن بنقل هذه الأمة حديث نبيها ﷺ بأمانة وثقة، وتواتر، وكيف أنها ابتكرت لتحقيق ذلك أقوم وأدق سبيل نقدي على مدى الأزمان: وتشبثت بتطبيق ذلك غاية التشبث عبر التاريخ، منذ أول عهدها بالرواية إلى يوم الناس هذا، وتحقق بذلك إنجاز الوعد الإلهي: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
ولعله من التحدث بنعمة الله تعالى أن نذكر هنا ما لقيه هذا الكتاب من القبول لدى الجهات العلمية الإسلامية والأجنبية، لما اختص به من منهج
1 / 13
جديد، صاغ علم مصطلح الحديث، في نظرية نقدية مبتكرة متكاملة، ولمناقشته آراء الذين تصدوا لنقد المحدثين، وإزالته اللبس الذي وقع فيه بعض الكاتبين.
كما أننا نعلن في هذه المناسبة عن ضرورة تزويد طلاب الجامعات في أقسام التاريخ، والدراسات الاجتماعية بدراسات عن هذا العلم، تربط بين علوم الحديث عند المسلمين وبين النقد التاريخي الأجنبي، الذي هو مدين لنا ولعلمنا هذا، كما نرى ضرورة إدخال دراسة موجزة ولو بضع صفحات عن الرواية والإسناد في الدراسة الإعدادية والثانوية.
وهذه أمانة أضعها في عنق كل قارئ وكل مسلم أن يجهد من أجلها في مكانه وميدانه، بغاية وسعه وطاقته. فإن لذلك أثره الكبير في وقاية الشباب الجامعي والمثقف من التشكك أو ضعف الثقة في تراثه العظيم.
وإنا لنرجو أن يكون لكتابنا هذا أثره في هذا الميدان، وأن يكون وافيا بجوانب العلم، ملاحظا حاجة الثقافة، وحاجة الدعوة معا.
أسأل الله تعالى أن يتقبله ويعمم النفع به، في نشر هذا اللون من الثقافة، وإحياء علم السنن والآثار، هو مولانا ونعم النصير.
كتبه: نور الدين عتر، خادم القرآن وعلومه، والحديث وعلومه.
1 / 14
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله الذي أبدع كل شيء فأحسنه، وأرسل رسوله محمدا ﷺ بهذا الدين فبلغه وبينه، واختار له من الأصحاب والأتباع من نهضوا بنقله وتلقينه، وحفظه وتدوينه، حتى بَلَّغَ الخلف كما تلقاه السلف، غضا طريا مدى العصور.
أما بعد:
فهذا كتاب في علوم الحديث، نرجو أن يكون لبنة متواضعة في صرح هذا العلم العظيم، الذي اختص الله تعالى به هذه الأمة، وأكرمها به من دون سائر الأمم، يبرز بجلاء وفاء قواعد هذا العلم بالغرض العظيم الذي وضع من أجله، ألا وهو الذب عن حديث رسول الله ﷺ، وتمييز صحيحه من منحوله، ومقبوله من مدخوله.
إنه كتاب ينقل مسائل هذا العلم من التفرق إلى التكامل، ويأخذ بالقارئ من الجزئيات إلى النظرية الكاملة المتناسقة، التي تتآلف فيها أنواع علوم الحديث كافة، لتبدو في مجموعها منطلقة بتسديد وإحكام نحو الغاية المنشودة.
إنه بهذا يواجه مناهج البحث العصرية العربية والأجنبية التي تزهو بالمنهجية وصياغة النظريات، ويبين -بما لا يدع مجالا للشك- عمق نظرة المحدثين، وشمولها جوانب البحث النقدي في الأحاديث.
1 / 15
لقد تتبع الكتاب بالسبر والاختبار كل احتمالات القوة أو الضعف التي قد تطرأ على السند أو المتن أو عليهما معا، ونظر فيما يتبع كل واحد منها من أنواع الحديث.
ثم قسم الأنواع على أبواب رئيسية يختص كل منها بركن من أركان البحث في الحديث، فتوصل بذلك إلى نتيجة هامة سيحس بها القارئ في متابعة أبحاث الكتاب، ألا وهي شمول هذه الأنواع لجميع الاحتمالات التي أشرنا إليها جزئيا وكليا، من البحث في رواة الحديث واحدا واحدا، إلى التحليل الشامل لمقومات الحديث في السند والمتن جمعيها، وبذلك يصدر الحكم على الحديث معتمدا على أصول نقدية دقيقة، لوحظ فيها المعنى مع المبنى، والمتن مع السند، مع الاستناد في ذلك إلى مقتضيات العقل والحس.
وهكذا مهد كتابنا للدارس السبيل من أجل تكوين فكرة شاملة أو نظرية منتظمة لقواعد هذا العلم العظيم، تتبع فيها الفروع أصولها، وتتضح الوجهة في كل قاعد من قواعده، وفي كل مسألة من مسائله.
وقد عنيت في أبحاثي بضبط التعاريف وتحليلها، وبيان الآراء المختلفة في الأمور الهامة ودراستها، مع نقد الضعيف منها، ونبهت على الذي أعرض له هل هو اختلاف اصطلاح، أو اختلاف اجتهاد في الحكم، فإن كثيرا من الخلافات يرجع إلى اختيار كل فريق من العلماء اصطلاحا يستعمله لمعنى يغير المعنى الذي يستعمله فيه الفريق الآخر، مثل الخلاف في "المنكر"، وقد وقع كثيرون في اللبس بسبب عدم التنبه إلى الاختلافات الاصطلاحية في هذا الفن.
وضربت الأمثلة لإيضاح التعاريف والقواعد، وأوردت بعضا منها بنصه كاملا من كتب السنة، ليكون بمثابة تدريب على النظر في الأحاديث
1 / 16
والبحث فيها، ثم ربطت كل نوع من أنواع علوم الحديث بالباب الذي أوردته فيه وبإطار العلم العام، أعني غاية العلم الأولى وهي "معرفة المقبول من المردود". وبذلك يظل الدارس على صلة بمعالم النظرية الأساسية، ويفيد في وضع كل قاعدة موضعها المناسب في مجال تطبيقها.
ومن هنا فقد اختصرت الفروع والمسائل التي لا تتصل صلة وثيقة بالغاية التي ذكرناها آنفا.
وحاصل النظرية التي بنينا عليها نظام الكتاب وترتيبه يقوم على قضية واحدة مسلمة، هي أنه لا بد لكي يكون الحديث مقبولا أن نعلم أن رواية قد أداه كما سمعه، وهذا لا يتحقق إلا إذا استوفى الراوي الشروط الكافية لذلك، فكان لا بد أولا من بحث العلوم المتعلقة بالرواة.
ثم إن أخذ الراوي عن أساتذته له أحوال وأحكام، وكذلك تبليغه العلم يعتوره أحكام أيضا، فكانت دراسة علم الرواية مكملة لما سبق ومتممة له.
ولما أن الأحاديث قد وصلت إلينا بنقل رجال السند واحدا عن الآخر حتى يبلغوا قائلها، فإن من الواجب أن ندرس شروط القبول في السند والمتن، وذلك في تعريف الصحيح والحسن ونبين كفايتها لإثبات سلامة الحديث وأدائه كما سمع، كما نبين أن اختلال شيء منها يجعل الحديث ضعيفا لما فيه من فقد المعيار الذي يثبت سلامة الحديث.
ومن ثم فإننا ننتقل على ضوء ما سبق إلى السبر والدرس لكل جوانب الحديث، ونوضح احتمالات الضعف والقوة فيها، مع بيان حكم كل منها.
ونبدأ بدراسة أحوال المتن فإنه المقصود من بحث الأسانيد، ثم يأتي بعد ذلك البحث في تسلسل الإسناد وما يعرض له من اتصال أو انقطاع،
1 / 17
ومن تعدد سند أو غير ذلك، ثم نتبعه بالأنواع المشتركة بين السند والمتن، كالشاذ والمضطرب والمعلل.
وإذا انتهى البحث الجزئي في كل جوانب الحديث جاء دور النظرة الشاملة، وهي نظرة إجمالية توضح دقة نهج المحدثين وإنهم شملوا بالدرس والبحث كل احتمالات القوة والضعف والعوامل المؤثرة فيهما سندا ومتنا، وأعطوا كل حال حكمه المناسب له، فجاء عملهم موفيا بالغرض المطلوب، وهو تمييز المقبول من المردود على غاية من الدقة المنهجية.
وهكذا قسمت أبحاث الكتاب على الأبواب الآتية:
الباب الأول: في التعريف العام بمصطلح الحديث:
وفيه تعريف يبين المراد من "علوم الحديث"، وهو "مصطلح الحديث"، ثم بحث أدوار هذا العلم التاريخية، وأشهر المؤلفين والكتب المصنفة في كل دور. وفيه تحقيق هام عن حفظ الصحابة للحديث وعن كتابتهم إياه.
الباب الثاني: في علوم رواة الحديث:
ويقع في فصلين:
الفصل الأول: العلوم المعرفة بحال الراوي من القبول أو الرد.
الفصل الثاني: في علوم الرواة التي تبين شخص الراوي.
ويقع في مبحثين:
المبحث الأول: في علوم الرواة التاريخية.
المبحث الثاني: في علوم أسماء الرواة.
الباب الثالث: في علوم رواية الحديث: تحمله وأدائه وكتابه. وآداب ذلك، ومصطلحات كتاب الحديث.
1 / 18
الباب الرابع: في علوم الحديث من حيث القبول أو الرد:
ويقع في فصلين:
الفصل الأول: في أنواع الحديث المقبول.
الفصل الثاني: في أنوا الحديث المردود.
وهو الضعيف، وينقسم أقساما كثيرة تتعرض لبيان تفرعها وفقا لضابط دقيق سوف نفيد منه في سبر أحوال المتن والسند في الأبحاث الآتية.
الباب الخامس: في علوم المتن:
وندرس فيه هذين الفصلين:
الفصل الأول: في علوم المتن من حيث قائله.
الفصل الثاني: في علوم المتن من حيث درايته.
الباب السادس: في علوم السند:
ويقع في فصلين:
الفصل الأول: في علوم السند من حيث الاتصال.
الفصل الثاني: في علوم السند من حيث الانقطاع.
الباب السابع: في علوم الحديث المشتركة بين السند والمتن:
ويقع في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في تفرد الحديث.
الفصل الثاني: في تعدد رواية الحديث مع اتفاقها.
الفصل الثالث: في اختلاف رواية الحديث.
خاتمة الكتاب: مناقشات ونتائج عامة.
وقد عولت في أبحاثي على المصادر الأصلية، ورجعت إلى
1 / 19
المصنفات الحديثية الخاصة بكل نوع من علوم الحديث، وفق خطة علمية تاريخية تلاحظ الابتداء من الأقدم فالذي يليه، وكثير من هذه المصنفات مخطوط أو في حكم المخطوط لندرته.
ونبهت على بعض ما وقع من كبوات الكاتبين الأفاضل في هذا العصر، مع تقديري لهم ولما بذلوا من جهد أجزل الله مثوبتهم.
ونرجو أن نكون قد أعطينا البحث حقه في الاستناد إلى المراجع، كما نرجو أن نكون قد وفقنا في عرض الآراء ودراستها والإدلاء بالنتائج الصحيحة في أبحاثنا.
والله ﵎ نسأل، وإليه نتوسل أن يجعله عنده في حرز القبول، إنه أكرم مسئول، وجوده خير مأمول، وهو تقدست ذاته أرحم الراحمين، ذو الفضل العظيم.
غرة رمضان المبارك سنة ١٣٩٢
٨ تشرين الأول سنة ١٩٧٢
وكتب: نور الدين عتر
1 / 20
الباب الأول: في التعريف العام بمصطلح الحديث
الفصل الأول: تمهيد في منشأ مصطلح الحديث:
أنزل الله سبحانه كتابه الحكيم هداية مبينة تضيء للناس سبل السعادة والسلام في دنياهم وآخرتهم، وجعله معجزة لرسوله محمد ﷺ باهرة باقية إلى يوم الدين، تنادي العالم إلى الهدى الحق. ثم أعطاه السنة مفصلة للكتاب وشارحة له، كما قال تعالى:
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (١)، وقال: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (٢).
_________
(١) سورة النحل الآية: ٤٤.
(٢) سورة النحل الآية: ٦٤.
1 / 21
فبين القرآن لنا في هاتين الآيتين وفي آيات كثيرة أن رسول الله ﷺ وظيفته البيان لكتاب الله، أو بعبارة أخرى أن موقع الحديث النبوي من القرآن هو موقع المبين من المبين، وهذا البيان ليس قاصرا على مجرد التفسير، بل له أوجه عديدة تجعل العمل بالقرآن في أركان أبنيته العظيمة مفتقرا إلى السنة لا يستغني عنها (١).
أخرج الخطيب (٢) أن عمران بن حصين ﵁ كان جالسا ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن، قال: فقال له: "أدنه" فدنا، فقال: "أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا وصلاة العصر أربعا والمغرب ثلاثا تقرأ في اثنتين؟ ! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا، والطواف بالصفا والمروة؟ ! ثم قال: "أي قوم خذو عنا، فإنكم والله إن لم تفعلوا لتضلن".
وقد جاءت الآيات الكثيرة جدا صريحة قاطعة في وجوب العمل بالحديث النبوي، كقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ (٣).
وقال ﷿: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾ (٤).
فقد نزلت هذه الآية في أهل بيت خطب النبي ﷺ
_________
(١) انظر تفصيل بيان السنة للقرآن في كتاب "السنة" للإمام محمد بن نصر المروزي خصوصا ص ٦٨ - ٧٢. وانظر تخليصها في كتاب "التفسير والمفسرون" للأستاذ الدكتور محمد حسين الذهبي: ١: ٥٥ - ٥٧.
(٢) في كتابه العظيم "الكفاية في علم الرواية" طبع الهند: ١٥.
(٣) سورة المائدة: ٩٢.
(٤) الأحزاب: ٣٦.
1 / 22
إليهم فتاتهم إلى صحابي، فلم يرتضوه، فنزلت الآية بسبب ذلك (١)، وعاتبتهم عتابا شديدا، مع أنه خاص من أمورهم خولته لهم الشريعة، لكنه لما عارض أمر النبي ﷺ اعتبر مخالفة وعصيانا، فما بالك بوجوب طاعته واتباعه ﷺ في سائر الأمور.
ولقد تواترت الأحاديث عنه ﷺ في وجوب الأخذ بهديه في كل شيء من الأمور، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، على منشط النفس ورضاها، أو على كراهيتها وإبائها ومخالفة هواها.
ومن ذلك قوله ﷺ: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (٢).
وقال: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها" (٣).
بل إن النبي ﷺ يؤكد الأخذ بحديثه الشريف على الرغم من التيارات الفاسدة والأعراف الاجتماعية المنحرفة، ويحض على اتباع سنته لما فيها إذ ذاك من مضاعفة الأجر:
قال ﷺ: "من أحيا سنة من سنتي قد أميتت
_________
(١) تفسير ابن كثير: ٣: ٤٩٠. لكن الروايات اختلفت في تعيين الأشخاص، فقيل إنها بشأن خطبة زينب بنت عمته ﷺ لمولاه زيد بن حارثة، فلم يرتضوه لأنه لأنه مولى. وقيل خطب إلى بعض الأنصار فتاتهم لرجل من أصحابه فأبوا. فاحتججنا بالمعنى المشترك بين هذه الروايات.
(٢) أبو داود في لزوم السنة بلفظه: ٤: ٢٠٠ - ٢٠١. والترمذي في العلم وقال: حسن صحيح: ٢/ ٩٢. وابن ماجه في السنة: ١٥.
(٣) مسلم: ٣: ١١.
1 / 23
بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا". أخرجه الترمذي وقال حديث حسن (١).
وعنه ﷺ: "المتسمك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد" أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الزهد (٢).
لذلك عنيت الأمة الإسلامية بالحديث النبوي، فأوعته حوافظها الفذة، وبذلت من أجله أعظم الجهد، وحاز حديث النبي ﷺ من الوقاية والمحافظة ما لم يكن قط الحديث نبي من الأنبياء. فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول في الشؤون كلها العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله ﷺ في طعامه وشرابه ويقظته ومنامه وقيامه وقعوده، حتى ليدرك من يتتبع كتب السنة أنها ما تركت شيئا صدر عنه ﷺ إلا روته ونقلته.
وكان من حرصهم على الحديث وتلهفهم له أن يجتهدوا في التوفيق بين مطالب حياتهم اليومية وبين التفرغ للعلم:
عن عمر ﵁ قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله ﷺ ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك" متفق عليه (٣).
_________
(١) الجامع: ٢: ٩٢.
(٢) الشفا بشرح القاري: ٢: ٢١. والجامع الصغير، ورمز لحسنه كما في الفيض: ٦: ٢٦١ واللفظ للبيهقي.
(٣) البخاري بلفظه في العلم "باب التناوب في العلم": ١: ٢٥. ومسلم في الطلاق: ٤: ١٩١ - ١٩٤ والترمذي في تفسير التحريم: ٢: ١٦٦.
والنسائي في في الطلاق: ٦: ١٣٥ - ١٣٦
1 / 24
ولما اتسعت البلاد الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين ودخل الناس في البلاد المفتوحة أفواجا في دين الله، حبا لهذا الدين ويقينا به تعطشت نفوسهم لتعلم أحكام الشريعة والتهذب بأخلاقها وآدابها، والصدع بمواعظها وأحكامها.
ولقد علم الصحابة بقيادة الخلفاء أنهم خرجوا هداة لا جباة، وساروا في الأرض معلمين مرشدين لا مستعبدين ولا ظالمين، لذلك كانت عنايتهم بالعلم ومحو الجهل والجاهلية بالغة أقصاها، فأقام الكثير من الصحابة الفاتحين في أصقاع متفرقة ينشرون العلم ويبلغون الحديث، وبعث الخلفاء إلى الناس من كبار الصحابة من يعلمهم أمور دينهم، ولقد كان إقبال الناس على ارتشاف معارف الإسلام عظيما جدا، حتى إنا لنجد الخلفاء يبذلون لهم من مواهب الرجال ما يعز عليهم، وهذا عمر يقول لأهل الكوفة حين أرسل إليهم عبد الله بن مسعود: "وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي" (١).
ونجد هذا الحرص، يسري من الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم، فقد كان التابعون لا يكتفون بما سمعوا من الصحابة في بلادهم، بل يرحلون إلى عاصمة العلم: "المدينة المنورة" يسائلون أصحاب النبي ﷺ بل إن الصحابة أنفسهم كانوا يرحلون للقاء بعضهم واستماع الحديث من الراوي الأصل الذي شافهه النبي ﷺ بالخبر.
ومن هنا تقرر للناظر حقيقة لها أهميتها، وهي أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يرجع إليهم الفضل في بدء علم الرواية للحديث، ذلك لأن الحديث النبوي في حياة المصطفى كان علما
_________
(١) أسد الغابة: ٣: ٢٥٨ - ٢٥٩.
1 / 25
يسمع ويتلقف منه ﷺ، فلما لحق ﷺ بالرفيق الأعلى حدث عنه الصحابة بما وعته صدورهم الحافظة ورووه للناس بغاية الحرص والعناية، فصار الحديث علما يروى وينقل، ووجد بذلك علم الحديث رواية.
ثم وضع الصحابة للرواية قوانين تحقق ضبط العدل للحديث، وتكلموا في الرجال كما سنفصل، وذلك ليتميز المقبول فيعمل به، من غير المقبول. ومن هنا نشأ مصطلح الحديث.
الرواية والدراية في علم الحديث: فلنعرف "علم الحديث"، ثم نفصل أدوار مصطلح الحديث التاريخية. ونبدأ أولا بتعريف كلمتي "العلم" و"الحديث". العلم لغة: هو الإدراك. والفرق بينه وبين المعرفة أن العلم يطلق لإدراك الكليات عن دليل، والمعرفة لإدراك الجزئيات. والحديث لغة: ضد القديم، ويستعمل في اللغة أيضا حقيقة في الخبر، قال في القاموس: "الحديث: الجديد، والخبر". وفي اصطلاح علماء الإسلام: "ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خِلْقِيٍّ أو خُلُقِيٍّ". وعلى هذا التعريف لا يدخل في التعريفِ الحديثُ الموقوفُ، وهو
الرواية والدراية في علم الحديث: فلنعرف "علم الحديث"، ثم نفصل أدوار مصطلح الحديث التاريخية. ونبدأ أولا بتعريف كلمتي "العلم" و"الحديث". العلم لغة: هو الإدراك. والفرق بينه وبين المعرفة أن العلم يطلق لإدراك الكليات عن دليل، والمعرفة لإدراك الجزئيات. والحديث لغة: ضد القديم، ويستعمل في اللغة أيضا حقيقة في الخبر، قال في القاموس: "الحديث: الجديد، والخبر". وفي اصطلاح علماء الإسلام: "ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خِلْقِيٍّ أو خُلُقِيٍّ". وعلى هذا التعريف لا يدخل في التعريفِ الحديثُ الموقوفُ، وهو
1 / 26
ما أضيف أي نسب إلى الصحابي، ولا المقطوعُ، أي ما أضيف للتابعي.
وهو مذهب الكرماني والطيبي ومن وافقهما (١).
لكن الجمهور ذهبوا إلى أنهما من الحديث، وسوَّوْا في الدلالة بين الحديث والخبر أيضا، قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر في نزهة النظر: "الخبر عند علماء الفن مرادف للحديث". فلا فرق إذن عند الجمهور بين الحديث والخبر (٢).
فالتعريف المختار للحديث هو: "ما أضيف إلى النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خِلْقِيٍّ أو خُلُقِيٍّ أو أضيف إلى الصحابي أو التابعي".
وأما السنة: فهي لغة السيرة والطريقة المعتادة حسنة كانت أو قبيحة (٣).
ومن ذلك قوله ﷺ: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها .. " (٤). وتطلق في العرف الإسلامي على طريقة الإسلام، ومنه قولهم: فلان على السنة، وقولهم: سنة وبدعة.
_________
(١) انظر الكواكب الدراري للكرماني: ١: ١٢.
(٢) أما الأولون فقد خصوا الخبر بغير النبي للتمييز بينه وبين الحديث. ولذلك قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها الأخباري. ولمن يشتغل بالسنة النبوية المحدث.
ومن العلماء من قال: بين الحديث والخبر عموم وخصوص مطلق. فالخبر أعم من الحديث حيث يصدق على ما جاء عنه ﷺ وعلى ما جاء عن غيره. بخلاف الحديث فإنه يختص بالنبي، فكل حديث خبر وليس كل خبر حديثا. شرح النخبة ص: ٣، طبع مطبعة الاستقامة بمصر.
(٣) لسان العرب: ١٧: ٨٩.
(٤) أخرجه مسلم: ٣: ٨٧.
1 / 27