[71] ومن إدراك المبصر في موضعه اعتقد أصحاب الشعاع أن الإبصار يكون بشعاع يخرج من البصر وينتهي إلى المبصر، وأن الإبصار يكون بأطراف الشعاع. واحتج هؤلاء على أصحاب العلم الطبيعي بأن قالوا: إذا كان الإبصار بصورة ترد من المبصر إلى البصر، وكانت الصورة تحصل في داخل البصر، فلم يدرك المبصر في موضعه الذي هو خارج البصر وصورته قد حصلت في داخل البصر؟ وذهب على هؤلاء أن الإبصار ليس يتم بمجرد الإحساس فقط، وأن الإبصار ليس يتم إلا بالتمييز وبتقدم المعرفة، وأنه لولا التمييز وتقدم المعرفة لم يتم للبصر شيء من الإبصار ولا أدركت مائية المبصر في حال إبصاره. لأن ما هو المبصر ليس يدرك بمجرد الحس، وليس يدرك ما هو المبصر إلا بالمعرفة أو باستئناف التمييز والقياس في حال الإبصار. فلو كان الإبصار إنما هو بمجرد الإحساس فقط، وكان جميع ما يدرك من المعاني التي في المبصرات ليس يدرك إلا بمجرد الإحساس، لما كان يدرك المبصر في موضعه إلا بعد أن يصل إليه شي ء يلامسه ويحس به. فأما إذا كان الإبصار ليس يتم بمجرد الإحساس، وليس جميع المعاني التي تدرك من المبصرات تدرك بمجرد الإحساس، وليس يتم الإبصار إلا التمييز والقياس والمعرفة، وكان كثير من المعاني المبصرة ليس يدرك إلا بالتمييز، فليس يحتاج في إدراك المبصر في موضعه إلى حاس يمتد إليه ويلامسه.
[72] فلنرجع الآن إلى نعت كيفية إدراك البعد، فنقول: إن بعد المبصر إنما يدرك منفردا بالتمييز. ومع ذلك فإن هذا المعنى من المعاني التي قد استقرت في النفس على مر الزمان من حيث لم تحس باستقراره لاستمرار هذا المعنى وتكرره على القوة المميزة. فليس تحتاج في إدراكه إلى استئناف تمييز وقياس عند إدراك كل مبصر. ولا تبحث القوة المميزة أيضا عند إدراك كل مبصر كيف استقر معنى البعد عندها، لأنها ليس تميز كيفية الإدراك عند إدراك كل مبصر. ولا تبحث القوة المميزة أيضا عند إدراك كل مبصر كيف استقر معنى البعد عندها، لأنها ليس تميز كيفية الإدراك عند إدراك كل مبصر. فهي إنما تدرك البعد مع غيره من المعاني التي في المبصر، وتدرك ذلك في حال إدراك المبصر بتقدم المعرفة.
পৃষ্ঠা ২৪৫