[94] فقد تبين مما ذكرناه أن البصر ليس ينصبغ بالألوان وصور الأضواء انصباغا ثابتا ولا تبقي آثارها فيه بل تؤثر فيه أثارا غير باقية، وأن الهواء والأجسام المشفة والطبقات المتقدمة للجليدية من طبقات البصر ليس تنصبغ بالألوان ولا بصور الأضواء ولا تتأثر بها، وإنما تؤدي هذه الصور فقط. وقد تبين أن صور الأضواء والألوان ليس تمتزج في الهواء والأجسام المشفة ولا تختلط بل تكون كل صورة منها متميزة بسموتها. فصور جميع الأضواء والألوان التي تحضر في وقت واحد تمتد في الهواء المتصل بها وفي جميع الأجسام المشفة المقابلة لها على جميع السموت المستقيمة التي يصح أن تتوهم ممتدة من تلك الأضواء والألوان في ذلك الهواء وفي تلك الأجسام المشفة، وكل واحدة منها متميزة بالسموت التي تمتد عليها وغير ممتزجة ولا مختلطة، وتكون هذه الصور أبدا في الهواء وفي جميع ما يتصل بها ويقابلها من الأجسام المشفة، ولكونها في جميع الهواء يدرك المبصر الواحد في الوقت الواحد جماعة من الأبصار من المواضع المختلفة من الهواء كل واحد من الأبصار يدركه من الجزء من الهواء الذي يحوزه المخروط المتشكل بين ذلك المبصر وبين مركز ذلك البصر، ولكون هذه الصورة أبدا في الهواء يدرك البصر كلما فتح أجفانه كلما قابله في الوقت الواحد من المبصرات، وكلما اجتاز في موضع من المواضع أدرك كلا في ذلك الموضع من المبصرات المقابلة له.
[95] فأما لم ليس تظهر صور جميع الألوان عى جميع الأجسام المقابلة لها ويظهر بعضها وليس يظهر البعض إلا إذا كان اللون قويا، وكان الضوء الذي في اللون قويا، وكان الضوء الذي في الجسم الذي تظهر عليه صورة اللون ضعيفا، وكان لون ذلك الجسم مسفرا، مع امتداد جميع هذه الصور في الهواء وإشراقها أبدا على الجهات المقابلة لها، فإن ذلك لشيء يرجع إلى البصر لا أن هذه الصور ليس تشرق على الأجسام المقابلة لها، بل كل جسم متلون مضيء بأي ضوء كان فإن صورة ضوئه ولونه تشرقان أبدا على جميع الأجسام المقابلة له التي ليست أبعادها متفاوتة. أما الأضواء فأمرها ظاهر، لأنه إذا اعتبر كل جسم مضيء بأي ضوء كان بعد أن يكون الضوء الذي فيه ليس في غاية الضعف، واعتبر على الوجوه التي قدمناها بأن يقابل به مكان مظلم، ويحصل في المكان المظلم جسم أبيض، ويكون المنفذ الذي بين المكان المظلم وبين الجسم المضي ء من ثقب أو من موضع ضيق، فإن الضوء يظهر على ذلك الجسم. وأما الألوان فإنه ليس يظهر منها إلا ما كان على صفة مخصوصة، وليس يظهر ما كان على خلاف الصفة. وذلك أنه قد تبين بالاستقراء أن صور الألوان تكون أبدا أضعف من الألوان أنفسها، وكلما بعدت الصور عن مبدئها ازدادت ضعفا. وكذلك صور الأضواء تكون أضعف من الأضواء أنفسها، وكلا بعدت ازدادت ضعفا.
পৃষ্ঠা ১৭৪