١٧- وحدثني أبو الفرج سلامة بن أحمد بن الفضل النصيبي إملاءً علي في جامع نصيبين من كتابه، قال: حدثنا شجاع بن الهيثم بن موسى الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: حدثني خالي عمارة بن زيد قال:
«كنت صديقًا لمحمد بن الحسن فدخلت معه على الرشيد، فسأله ⦗٧١⦘ عن أحواله فقال: في حبرة يا أمير المؤمنين. ثم تسارا فسمعت محمد بن الحسن يقول: يا أمير المؤمنين إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهلٌ. قال: فغضب الرشيد فقال: علي به. فأتي به وأجثي بين يديه، فكره الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان فقال: هيه. فقال: فما هيه يا أمير المؤمنين؟ أنت الداعي وأنا المدعو، وأنت السائل وأنا المجيب. قال: كيف علمك بكتاب الله فإنه أولى أن يبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري وجعل دفتيه جنبي، فقال: كيف علمك به؟ قال: أي علم تريد يا أمير المؤمنين، علم تأويله، أم علم تنزيله، مكيه أم مدنيه، ليليه أم نهاريه، أم سفريه أم حضريه، أم إنسيه أم وحشيه، أم نسقه وصفته، أم تسمية سوره؟ قال: فأعجب الرشيد ذلك فقال: لقد ادعيت من القرآن أمرًا عظيمًا فكيف علمك بالفرائض؟ قال: إني لأفرض الصلب، وأعرف اختلافهم في الجد. قال: فكيف علمك بالأحكام؟ قال: في عتاق أم طلاق، أم في قضاء، أم في الأشربة، أم في المتاجرات. قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف منه ما قالت الروم وبابل وبقراط وساهمور وأرسطو طاليس وجالينوس. قال: فكيف علمك بالنجوم؟ قال: أعرف منه القطب الدائر والمائي والناري، والمذكر والمؤنث، وما يهتدى به في البر والبحر. قال: فكيف علمك بالشعر؟ قال: أعرف الشاذ منه وما ⦗٧٢⦘ نبه للمكارم. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال: أعرف منه نسب الكرام وفيهم نسب أمير المؤمنين ونسبي. فقال: لقد ادعيت من العلوم أمرًا عظيمًا تطول به المحنة فعظ أمير المؤمنين بموعظة -قد جرى ذكرها في الحكاية الأولى- قال: ثم التفت إلى محمد بن الحسن فقال: ناظره بين يدي حتى أكون فاصلًا بينكما. قال: فالتفت محمد بن الحسن إلى محمد بن إدريس فقال: ما تقول يا شافعي في رجل تزوج بامرأة ودخل بها، وتزوج ثانية ولم يدخل بها، وتزوج ثالثة ودخل بها، وتزوج رابعة ولم يدخل بها، أصاب الثانية أم الأولى والرابعة عمة الثالثة؟ قال الشافعي: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيءٌ، ويتمسك بالأولى والثالثة. قال محمد: ما حجتك؟ قال: أما الثانية فإن الله ﷿ يقول: ﴿فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم﴾، وأما الرابعة فإن النبي ﷺ نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها. ما تقول أنت يا محمد بن الحسن كيف استقبل النبي ﷺ يوم النحر وكبر؟ قال: فتعتع محمد بن الحسن. قال عبد الله بن محمد البلوي: ولو سأله كيف فعل أبو حنيفة لأخبره. فقال الشافعي: يا أمير المؤمنين سألني عن الأحكام فأجبته، وسألته عن سنة من سنن رسول الله ﷺ يحتاج إليها الصادر والوارد فلا يجيبني، أمن الإنصاف هذا؟ فتبسم الرشيد وأمر له بعشرة آلاف درهم. فخرج الشافعي ففرقها على باب داره، وانصرف مكرمًا» .
⦗٧٣⦘
قال أبو الحسن ﵁:
في هذه الحكاية زيادة ونقصان عن الحكاية الأولى، ويشبه -والله أعلم- أنه كان للشافعي مناظرات واجتماعات مع محمد بن الحسن بين يدي هارون غير مرة والله أعلم.
1 / 70