فتأمل هذا الاستدلال من هذا الإمام، تجده قاضيا بصحة ما سلكه هو وغيره من العلماء، من أن سكوت العلماء وغيرهم على ما فعل في الكعبة المعظمة، من الإصلاحات في الأعصار من غير نكير، دال على جوازه وحسنه، وأنه ينبغي للملوك تحريه والعمل بمثله في الكعبة المشرفة، إذا حصل فيها ما يقتضي الإصلاح ولم الشعث الذي لا يليق بأدنى المساجد أن تبقى عليه، فكيف بما هو أشرفها وأفضلها؟!
ويؤيد ما مر من احتجاج الإمام السبكي بعدم إنكار العلماء وغيرهم، أن المحب الطبري لما أفتى بوجوب إعادة الشاذروان إلى ذراع في العرض كما مر ذلك عنه، استشعر على نفسه اعتراضا، وأجاب عنه بما يوافق ما تقرر أن عدم إنكارهم بعد علمهم بالحكم، تقرير له ورضى به.
وعبارته: ((فإن قيل: هذا الموجود اليوم الناقص عن الذراع، ترادفت عليه الأعصار، وتواردت عليه علماء الأمصار، وجاور بالحرم الشريف كثير من العلماء، وطالت مدة مجاورتهم، ولم ينكر ذلك أحد منهم، والظاهر أن ذلك لم يخف على جميعهم.
قلنا: عدم إنكارهم لا يدل على رضاهم به وتقريرهم له، وإنما يحكم بالرضى والتقرير، بعد العلم بأنهم علموا بأنه كان ذراعا ثم أقروه ناقصا، ويحتاج ذلك إلى إثبات.
وكثير من جملة العلماء لا يعلم أن الأزرقي ذكر أن عرضه ذراع وإن علموا حكمه، وكثير يعلم ما ذكره الأزرقي ولا يعتبره، ويطوف ويعتقد أنه كما ذكره الأزرقي، ولا يعلمون نقصه.
وقد رأيت من أجلة أهل العلم من هو كذلك، وما المانع من أن يكون أنكره من اطلع عليه وعلمه، كما أنكره اليوم، فحصل له صاد كما حصل اليوم؟
পৃষ্ঠা ৪০