فأدرك غريب أن سالم أغا تزوج حتى لا يبقى مجال للكلام في زفاف سعدى إلى غريب، فقال له: «أيليق ذلك بك؟» قال: «لا يليق بي إلا هذا، وهذه سعدى عروسك، بارك الله لك فيها، وإن فرحي وسروري لعظيمان باقترانك بها، وأنا أعلم أنها لو خيرت بيننا ما اختارت سواك، فلا يليق بي أن أمنعها ممن تحبه، وقد قضي الأمر فهيا بنا نؤكد عقد الخطبة لك.»
فقال: «تعال نقض هذه السهرة معا الليلة لأعرفك بوالدي، ونرى ماذا يكون عليه الأمر، وإني لمعجب بشهامتك ومروءتك.» فسر سالم به وقبله، وقال: «والله لا أراني إلا مقتبسا من بحرك، ولم أسمع أن شابا تخلى عن حبيبته لأحد سواك.» •••
كان والدا غريب في حديث ولدهما، وحكاية الخطبة وما يتعلق بها، فسمعا فجأة وقع أقدام عند الباب، وإذا هما بغريب قد دخل ومعه رفيقه فنادت سلمى: «غريب؟» فقال: «نعم يا أماه.» فتقدمت نحوه فرأت سالما معه، فأرادت الرجوع فناداها قائلا: «لا حاجة إلى التحجب فإن الذي ترينه معي من أعز أصدقائي، بل هو أخي في عهد الله.» ثم تقدم وعرفه بها وبأبيه وقص عليهما ما كان من أمره وأمر زواجه، وما في عمله هذا من الشهامة والنخوة فأعجبا به وازدادا محبة له، وفرحا في سريرة نفسهما لأنهما كانا يحبان الفتاة، فحمدا الله على ذلك. ثم أخذ الجميع يسمرون وهم يتنقلون في فناء البيت في تلك الليلة المقمرة الصافية الجو ، وقد طار نومهم.
فقال غريب: «يظهر أن هذه الليلة مباركة يحلو فيها السهر!» فأمر أحد الخدم فجاءهم بالوسائد ليجلسوا في ضوء القمر فجلسوا، وأخذوا يتجاذبون أطراف الحديث بعد أن ملأ أمين بك غليونه، وملأ غليونا لكل من سالم أغا والأمير غريب، وأمر بإحضار القهوة.
فقال سالم أغا: «كنت أظن أن الأمير بشيرا والد أخي غريب.»
فقال غريب: «نعم هو والدي بحكم تربيته لي، وأما والدي الحقيقي فهو هذا الشيخ.»
ثم استأنف الحديث قائلا لوالده: «هذا هو الرجل الذي أنقذني من سجن عكا كما أخبرتكم منذ بضع سنين.»
فقال أمين بك: «يظهر لي من ملابس جنابه أنه من ضباط إبراهيم باشا، نعم الرجل هو! إننا في الحق قد أصبحنا غريقي بحار معروفه، فنطلب من الله أن يمكننا من مكافأته.» ثم قال: «هل الجنود المصرية ستقيم طويلا في لبنان؟»
فقال سالم أغا: «لا أظن أن ثمة فائدة من إقامتها هنا بعد أن تجمع أسلحة الدروز، وقد علمت أنهم سيجمعون أسلحة النصارى أيضا توطيدا للأمن.»
فقال أمين بك: «وهل تظن أن إبراهيم باشا يخشى خروج هذه الديار من يده؟»
অজানা পৃষ্ঠা