قال : «قل ما بدا لك.»
قال غريب: «كنت قد اتفقت مع والدتي أن تخطب لي ابنتك؛ إذ رغبت في أن تكون رفيقة حياتي، ولما استشرنا الأمير بشيرا في ذلك ظهر لنا منه أنه لا يعارض في خطبة الابنة ولكنه يرى ألا يقوم هو بذلك. وأنا لا يليق بي أن آتي عملا لا يرضاه الأمير، ولما كنت قد أحببت ابنتكم حبا شديدا، ورأيتها أهلا لي، وأحبتها والدتي كذلك، فقد رأينا أن السبيل الوحيد لتحقيق أمنيتنا أن يتم الصلح بينك وبين الأمير.»
فتأوه الأمير سعيد وصمت هنيهة، ثم قال: «اسمع يا ولدي لو سبقت وخاطبتني في هذا الأمر منذ يومين لهان كل صعب، فإن الاختلاف الذي بيني وبين الأمير بشير اختلاف هين ولا يصعب زواله، وإنما هناك مشكل أصعب من ذلك.»
فاختلج قلب غريب وقال: «وما ذلك المشكل؟»
فقال: «إن إبراهيم باشا بعث إلي مساء أمس، وطلب بلسان وكيله حنا بك البحري أن أوافق على خطبة ابنتي لأحد كبراء ضباطه المقربين منه كثيرا، فلم يسعني إلا الاستجابة لهذه الرغبة على أن أشاهد الرجل، فوعدني أنه سيأتيني به في بيتي هذه الليلة، وهذا سر أرجوك كتمانه.»
فاضطرب غريب وكاد يتميز من الغيظ، وثارت في صدره ثائرة الانتقام، وكان يشعر أنه كلما تعقدت مسألة زواجه بتلك الفتاة زاد حبه لها، فقال للأمير سعيد: «والآن ما السبيل لتحقيق الأمنية؟» قال: «يا ولدي ليس لدي حيلة، أنا أكثر ارتباكا منك؛ إذ لا يمكنني رفض أمر إبراهيم باشا، ولا أجد من يخبرني عن أصل هذا الرجل وفصله، والبنت عزيزة عندي لأنها وحيدتي.»
فحار غريب في أمره وأطرق هنيهة، ثم قال للأمير سعيد: «متى سيأتي هذا الرجل إليك؟» قال: «هذه الليلة بعد الغروب بقليل.» قال: «حسنا.» وخرج يحدث نفسه بما يجب أن يفعل لحل هذا المشكل، وبعد التردد مدة ساعتين، صورت له الغيرة والمحبة أن يعترض طريق الرجل في تلك الليلة ويحذره أن يستمر في مقصده، فلعله يخاف فيرجع ، وكانت نفسه تحدثه أنه إذا رفض الرجوع عن قصده فكر في أن يقتله، لكن الشهامة كانت تردعه عن قتل نفس بريئة. وخلاصة الأمر أنه كان يتنازعه عاملان مختلفان، عواطفه من جهة، وعقله من جهة أخرى، ثم قر رأيه على أن يجيب داعي عواطفه، ويلقى الرجل ويهدده في الطريق، ويرى ماذا يكون منه.
إزاحة اللثام
فلما كانت الساعة الأولى بعد الغروب، لبس غريب ثيابه وأراد الخروج من البيت، فسألته والدته عن جهة مسيره، فقال: «إنني ذاهب لزيارة أحد أصدقائي في معسكر إبراهيم باشا.» فقالت: «ولكنا رأينا يا ولدي ما حل بك أمس وأنت وحدك.»
قال: «نعم، ولكن لكل زمان دولة ورجال، ألا تعلمين أن وجود إبراهيم باشا في هذا الجوار، كاف لمنع مثل هذه الحوادث؟» قالت: «سر في حراسة الله.»
অজানা পৃষ্ঠা