أما محمد علي باشا والي مصر، فلم يمكنه كتمان غضبه لأسباب أوجبت زيادة حقده عليه، فبعث ابنه إبراهيم في حملة من الرجال لافتتاح عكا وقهر عبد الله.
فكتب عبد الله إلى والدي يطلب إليه أن يحشد الرجال ويأتي لنجدته في عكا، وأنت تعلمين أنه لا يمكنه مخالفة الأوامر، فبعث والدي إلى جميع المقاطعات لجمع الرجال والتأهب للسفر. وفيما هو في ذلك، ورد إليه كتاب من إبراهيم باشا من عكا يستدعيه إليه، فوقع والدي في حيرة؛ إذ لا يمكنه إجابة طلب إبراهيم خوفا من غضب عبد الله باشا، ولا يريد رفض طلب إبراهيم باشا لأنه قد سبق منه الوعد بمساعدته عند قدومه إلى البلاد السورية؛ ولذلك ترينه لا يملك نفسه من التردد، فلا يمكننا أن نحدثه في شأن الزواج الآن، وهذا موضوع مستدرك على كل حال.»
فاضطربت جميلة لذلك الخبر، وقالت: «وماذا تظن أنه سيفعل يا ولدي؟»
فقال غريب: «أرجح أنه سوف يجيب إبراهيم باشا، وفي نيته أن يسافر غدا من بيت الدين في حاشيته، والأرجح أنه سوف يقصد عكا، ولا بد من التوجه برفقته.»
فصاحت جميلة: «لا يا ولدي، ما لك وهذه المخاطرة؟»
فقاطعها غريب بالكلام قائلا: «انظري يا والدتي، إني قد صرت رجلا والحمد لله، ولم أعهد فيك مثل هذا الخوف علي يوم كنت صبيا، وسافرت إلى بلاد بعيدة!»
فقالت: «إن ذهابك أول مرة لم يكن إلى حرب، وكفاني ما قاسيت على أثر ذلك السفر!» قالت ذلك، ولم تستطع أن تمسك نفسها عن البكاء لتذكرها حكاية زوجها.
فتعجب غريب لذلك البكاء وقال: «ما الداعي يا والدتي لهذا البكاء الآن؟»
قالت جميلة: «ليس هناك داع يا حبيبي ، سوى أني تذكرت الخطر الذي وقعت فيه هناك، وما حدث من تعدي اللصوص عليك.» ثم لاح لها أنه لا ينبغي أن تظهر جبنا أمامه، وندمت على ما فرط منها، فقالت: «لا تظن أني أخاف عليك من الحروب، فإن الرجال خلقوا لمواجهة الحروب، والأرزاق والأعمار بيد الله. لا لا، لست أخاف من ذلك، ولا سيما أنك ذاهب في جماعة من الأبطال، وفيهم والدك البطل المغوار الذي تهابه الأسود، وإذا صممت على السفر ففي حراسة الله، وإنما أوصيك وصية واحدة وأرجو ألا تنساها.»
قال غريب: «قولي ما تشائين، فأنا ابنك المطيع.»
অজানা পৃষ্ঠা