قال: وهو كذلك؛ لأني أعلم أن الملك «أكيا كسار» شديد البأس والأنفة، وأن المملكة الآشورية كلها تهابه، وتكبر رأيه، وأخاف أن يردكم خائبين.
قال: يفعل الله ما يشاء.
ثم ساروا كأنهم السحاب المنتشر، وكان «أستياج» على ظهر جواده يتأمل في صنع الله، وكيف كان يظن أن يقدر على أن يطفئ نورا أراد الله إظهاره وانتشاره في الأرض بعد أن أطلعه الله عليه في عالم الرؤيا، فيندم على ما فرط منه، ويستغفر الله لذنبه، وما زالوا سائرين إلى أن بلغوا مدينة «شيراز» فضربت الطبول، وقامت الأفراح، وزينت المدينة بأحسن زينة، ودخل «كورش» إلى محل عزه ورايات النصر تخفق فوق رأسه، وقد كان ذلك اليوم يوما مشهودا يحدث به التاريخ جيلا بعد جيل، كل ذلك والملك ثمل بخمر الغرام، بيد أن كل أهل إيران ثملون بنشوة النصر، وتخلصهم من ربق العبودية.
وبعد أن استقروا وارتاحوا من وعثاء الحروب والأسفار جلس الملك يوما وحوله خواصه وندمائه «أرباسيس» و«فانيس» و«براكذاس»، وبعد ذلك التفت الملك إليهم، وعرض عليهم الرأي في طلب بنت الملك «أكيا كسار»، وأعلمهم أنه يحبها، ولا يريد أحدا سواها قال: وأريد أيها الأستاذ أن تكون أنت الرسول إلى بلاد آشور؛ لأنك عالم بغوامض الأمور قادر على استنباط الحكم، لعل أن يكون شفائي على يديك.
فقال: نعم يا ولدي، ولكني أريد أن ترسل معي «فانيس».
قال: نعم، و«روبير» أيضا، وقدر ما يحتاج إليه من العساكر والخدم؛ ليكونوا في معيتكم.
ثم استحضروا ما يلزم لهم من الهدايا الثمينة من أحسن ما غنموه من خزائن «مادي» من الجواهر الثمينة وغيرها، وأرسل معه مائة وأربعين صندوقا تحتوي على أعظم ما تقتنيه الملوك من حلي وحلل. وسار الركب يقطع القفار حتى قرب من مدينة «نينوى»، فنزلوا هناك في مرج زاه زاهر والمياه تتدفق من جوانبه، فأمرهم «أرباسيس» بالنزول فنزلوا، ونصبوا الخيام، وباتوا تلك الليلة، وكان «روبير» قد قام من ساعته، وأطلق رجليه للرياح، وقصد مدينة «نينوى»، ولما أقبل عليها وجد حولها جيشا جرارا، وعساكر وخياما منصوبة، ورايات تخفق.
فاخترق بين هذه الجموع، ودخل من مكان إلى آخر حتى اطلع على القوم. ووجد الحصار ملقى على مدينة «نينوى»، وأبوابها مغلقة فتقدم إلى بعض الحراس، وسأله عن اسم هذا الملك، وعن السبب في هذه الحرب. فقيل له إن هذا الملك «أفراسياب » ملك بابل، وقد طلب «شاهزنان» بنت الملك «أكيا كسار» فلم يسمح له بها فغضب لذلك، وجرد عليه العساكر فهذا سبب الحرب، فلما سمع «روبير» ذلك طاش عقله، وقام يعدو إلى أن وصل إلى محل القوم، وكان الحكيم «أرباسيس» قد أمر الركب أن يظعنوا، وكان النهار قد أسفر اللثام عن وجه الليل القاتم، وقد قاربت الغزالة أن تلقي حبالها على هاتيك الروابي فدخل عليه، وقال له: قد كدنا أن نكون غنيمة للقوم.
قال: وما ذلك؟ فأخبره بكل ما رأى وسمع فتكدر «أرباسيس» من هذا الخبر، وقال: كيف العمل يا «فانيس؟»
قال: يا سيدي، لا يجدي إلا الرجوع من حيث أتينا، ونخبر الملك لعله يدرك «أفراسياب» قبل أن يدخل المدينة، ويسبي «شاهزنان» التي هي المراد في هذه الحرب. وفي الوقت عينه حملت الحمول، ورجع الركب من حيث أتى، وما زالوا سائرين إلى أن دخلوا مدينة «شيراز»، وكان «روبير» سبق الركب، وطار في الهواء إلى أن بلغ القصر، ولما رآه الملك أشعث أغبر على هذه الصورة ارتاب في أمره، وقال: ما بالك يا «روبير» - كفانا الله الشر - وأين باقي الركب؟
অজানা পৃষ্ঠা