ولما رأى الناس في ارتباك وتفتيش على الملكة «مندان» لم يشك أن التي رآها في تلك الليلة هي «مندان»، وأن الوزير له يد في إخفائها، فقال في ذاته: إني لا أجد لترقيتي وتشفي غلتي من هذا الوغد خير من هذه الفرصة.
ثم لبس آلة حربه، وامتطى جواده، وسار إلى جهة قصر الملك، وكان الوزير بعد أن انتهى من آداء ما يجب من البحث والخدمة اللازمة توجه إلى منزله مطمئن الخاطر على نفسه وعلى «مندان»، وأخبر زوجته بما تم ففرحت بخلاص «مندان»، وشكرته على ذلك.
أما الحارس فإنه لم يزل سائرا إلى أن بلغ قصر الملك، واستأذن عليه، فأذن له بعد الممانعة من الحراس وغيرهم، وبعد تأدية ما يجب من الخدمة، قال له الملك: ماذا تريد، ومن أنت؟
قال: أنا أحد حراس الأبواب، وقد رأيت البارحة أمرا لم أشك في خيانة الوزير «أرباغوس».
ثم أخبره الخبر، ولكن لم يقل له إنها حبشية اللون تأكيدا للتهمة، وكان الملك يعتمد على «أرباغوس»، ويلقي إليه مقاليد الأمور، ويرتكن عليه في جميع أموره، ولما سمع من الجندي هذا الكلام احتار في أمره، وافتكر قليلا، ثم رفع رأسه، وقال: اكتم ما قلت لي أيها الجندي. وأذن له بالخروج فخرج، وهو يمني نفسه بكل خير.
أما الملك فإنه تذكر ماذا يصنع مع «أرباغوس»، وكيف أنه كان السبب بقدوم «مندان»، وكيف تسبب بخلاصها، وقد عظم عليه هذا الأمر، وتوسم الخيانة في الوزير، وقد قصد تدبير الحيلة لمضرته بأي سبب، ولكي يكون الجزاء من جنس العمل، وكان لهذا الوزير ولد وحيد يعزه ويحبه محبة فوق العقول لما عنده من النجابة والأدب، فأرسل الملك له فحضر وسلم، فأمر له بالجلوس فجلس، وقد أظهر له الملك كل بشاشة، وسأله ماذا يفعل بأمر ابنته «مندان»، وقال: لا بد أن يكون لها من بلغها خبر الإيقاع بالجنين، فلأجل ذلك تجشمت أخطار الهرب لتنجو بطفلها.
قال: لا يبعد ذلك أيها الملك، وإلا فما الموجب لهربها تحت جنح الليل، ولكن أملنا وطيد بأننا سنعثر عليها في قريب من الوقت.
فسكت الملك عن الجواب برهة، ثم غير الموضوع، وقال: أريد أن تكون ضيفي في هذه الليلة، وتأتي بولدك معك؛ لأني لم أره منذ مدة.
قال: سمعا لأمر الملك.
ولما رجع إلى منزله قال لزوجته: أحضري ولدك ليتهيأ لمقابلة الملك.
অজানা পৃষ্ঠা