واستجمعت الآنسة قواها، ومسحت عينيها بمنديل مطرز لطيف، وتقدمت في جلستها إلى الأمام، وضمت يديها معا كأنما تحاول أن تضبط عواطفها وقالت: لقد اختطف جواسيس نابليون جلالته ونحن في الطريق. - اختطفوه؟!
وكان فريزن يحملق في الوجه اللطيف المحمر أمامه، وكان من الصعب أن يعرف تماما إذا كان قد اضطرب ودهش، أم أنه يشك في صدق قولها، وذكرت الآنسة له ما جرى لهما في الطريق بكلمات متقطعة، وما انتهت من حديثها حتى غطت وجهها بيديها وانخرطت في بكاء عنيف.
وعلى كل فقد كان الكونت فريزن يحس بشعور خفي أنها كانت كاذبة، ولكنه لم يقل شيئا في ذلك الوقت، وانتظر قليلا حتى إذا لاح له أن ألين قد هدأت نوعا ما سألها بهدوء: وأين جلالته الآن؟
وقامت بمحاولة لكي تبتلع شهقاتها وتكفكف دموعها، ثم أجابت بصوت مرتعش: لست أعلم! لست أعلم! وإن هذا هو الذي يحزنني ويحطم فؤادي، لقد كان متعبا، مريضا، محتاجا للراحة والعناية، لو كنت أعلم أن هؤلاء القساة يعاملونه بشفقة. - هؤلاء القساة! أي قساة؟! - كيف؟! البوليس! - من أين لك أن تعلمي أنهم كانوا من رجال البوليس؟!
وجاء جوابها سريعا: إن بيتر سائق عربتي عرف بعضهم. - كيف؟! في الظلام؟! - لم يكن الظلام حالكا، وأنا أذكر أنني قلت لك إننا كنا عند الغسق. - وأين اتجهت العربة التي أقلت جلالته؟ - لقد سارت العربة بسرعة عظيمة متجهة نحو ستراسبورج.
كان فريزن مقتنعا بكذبها، ولكنه لم يعرف تماما إذا كانت قد فعلت هذا لحساب آخرين ثم أنقدت عليه، أم أنها تعمل هذا لمصلحتها هي، ورأى كلا الاحتمالين معقولا. وفكر فريزن في الطريقة التي يمكنه بها أن يستخلص منها الحقيقة، ولم يكن قد بدا عليه شيء مما يدور بنفسه، ولكنه أراد أن يكسب الوقت ليقيس بذهنه كل شيء قبل أن يقدم عليه، فأخرج من جيبه صندوق سجائره وأخذ واحدة وهو يقول: هل تسمحين؟ - أوه! طبعا.
ثم قامت لتحضر علبة الثقاب من آخر الغرفة، وتأملها السياسي وهي تروح وتجيء، وأوقدت له عودا، ثم رجعت إلى كرسي كبير فغاصت فيه. وأخذ الكونت فريزن نفسين أو ثلاثة من سيجارته قبل أن يعود إلى الكلام، ثم استأنف سائلا: ألا تستطيعين يا آنسة أن تكوني فكرة عن المكان الذي أخذوا جلالته إليه؟
فردت بجهالة: لا، أبدا، مطلقا، وهل تظن أني أبقى هنا ساكتة لو كنت أستطيع أن أعرف أين هو؟
فقال في هدوء: هذا حق.
وسكت لحظة أو اثنتين يدرس وجهها محاولا أن يتعرف ما تخفيه وراء هذا الأسف المصطنع، ثم قال بصوت هادئ بطيء: إن بعض ذوي المراكز العالية سوف يقدرون تعبك، هل لي أن أقول إذا كشفت عن الموضوع؟
অজানা পৃষ্ঠা