جلست السيدة في مخدعها بفلا إليزابث تنتفض أمام النار؛ فقد قرأت خطاب ولدها ما يقرب من ثلاث مرات في حين أنه وصل منذ ربع ساعة، كان تاريخه 12 الجاري واليوم 16 الجاري، أربعة أيام! إن ختم البريد لا يظهر تاريخه بوضوح، ولكن لا يمكن أن يبقى أي خطاب أربعة أيام في البريد من ستراسبورج إلى هنا، إن المسافة لا تستغرق أكثر من 24 ساعة لا أربعة أيام. لقد قضت السيدة هذه الأيام الأربعة في لهفة لا حد لها، مترقبة وصول هذا الخطاب الذي علمت منه كيف يضيع ولدها وقته في ستيجاند بين ذراعي فاجرة وضيعة.
ودقت السيدة الجرس تنادي سكرتيرها المسيو نوسي فقالت له أن يذهب في الحال إلى فندق ستيفاني، ويرجو الكونت فريزن أن يحضر إليها في الحال، لأن خطابا مهما قد وصل من جلالته.
وذهب نوسي، وجلست تنتظر فما كان لديها إلا أن تنتظر؛ فقد أحست المرأة المسكينة كأنما قد أصابتها ضربة شديدة على أم رأسها، ونظرت إلى الخطاب الذي وصلها من ملك فرنسا عن الحوادث الهامة التي يتعلق بها مستقبل بلاده وعرشه، وقد أمضها ألا تجد منه اهتماما إلا بالحوادث التافهة والملاحظات السخيفة التي لا تصدر إلا عن عقلية أطفال.
ولبى الكونت فريزن دعوتها، فلما وصل وجدها جالسة فوق الأريكة وقد كست وجهها مسحة من اليأس، وأعطته الخطاب وطلبت منه قراءته، فلما أتمه قالت له بحزن: لا تخبرني عما دار بخلدك يا فريزن، إني أعرفه.
وسحب الأوستوري كرسيا وجلس قريبا منها، وكان لا يزال ممسكا بيده الخطاب، فقالت السيدة بانفعال مفاجئ: ألق بهذا الخطاب في النار، فإني سوف أجن لو رأيته ثانية.
ولكن الكونت فريزن لم يلق بالخطاب في النار، بل دسه في جيبه بينما كانت السيدة تنظر إلى جهة أخرى، وبعد لحظة قالت: إذا رآه الإمبراطور فإني أموت خجلا، ماذا نفعل يا فريزن؟! ماذا نفعل؟!
فأجاب الأوستوري: سوف لا نفعل شيئا أكثر من أن ننتظر.
فصاحت بمرارة قاسية: ننتظر! ننتظر البرقية التي لن ترد إلينا، أوه يا فريزن! إن تلك المرأة قد لعبت بعقله. ولكن ماذا ترى في الجنرال إفيلين، أتظن أنه سوف ينضم إلينا بجنوده أو أنه سيرجع في كلمته؟ - إنه لم يرجع عن وعد قطعه على نفسه. - أتظن أنه يمكننا الاعتماد عليه؟ أتظن ذلك؟
وكأنما كانت تنتظر أن تسمع شيئا، كلمة تبعث في نفسها الشجاعة.
ولكن فريزن لم يقل شيئا؛ فقد كان من المستحيل أن يقول شيئا مما دار في خلده وقتذاك، يستحيل أن يخبر هذه الأم الطموح المحبة أن العائق الذي يقف في سبيل نجاح خططها إنما هو لويس نفسه، إذ كيف يمكن لأي مسعى أن يبشر بالنجاح مع مثل هذا الخائر الضعيف الهمة؟
অজানা পৃষ্ঠা