لم تكن العائلة تنشغل بالحديث عن السياسة كثيرا؛ فعند تناول الطعام كانت الأفواه تنشغل بالطعام، وبعده لم يكن هناك وقت للجلوس والحديث. كان كل شيء يحدث بسرعة؛ تناول الطعام ثم النزول سريعا للعودة إلى العمل. وبعد ذلك تم استدعاء إميل الأخ الأكبر للالتحاق بمنظمة «شباب هتلر»، ولكنه رفض بحجة أنه عضو في الصليب الأحمر. وعندما تم تهديده بالفصل من المدرسة إذا لم يرجع عن ذلك، قرر جدي الدخول في مواجهة معهم، وكانت النتيجة السماح لإميل بالبقاء في المدرسة الثانوية المنخفضة المصروفات، ولكن ألغيت معونة الأطفال الثمانية التي كانت تتلقاها الأسرة في ذلك الوقت. ولم تواجه الأسرة مزيدا من المشاكل، على خلاف جيراننا المباشرين الذين تم التشهير بهم عن طريق لوحة علقت على بيتهم تقول: هذه العائلة ضد الشعب الألماني.
ويتذكر باول حتى اليوم أن كلمة عائلة (بالألمانية
Familie ) التي تبدأ بحرف
F
كبير كانت مكتوبة بحرف
f
صغير. كان عمره وقتها أحد عشر أو اثني عشر عاما، وكان يقف أمام تلك اللوحة متعجبا من هذا الخطأ في كتابة أول حروفها، غير مدرك أنه مقصود. كان يسكن البيت المجاور زوجان حديثا الزواج، حصل أبي في خريف عام 2009 على نفس الغرفة في دار المسنين التي كانت تقيم فيها الزوجة قبل وفاتها عن عمر يناهز الرابعة والتسعين. وهكذا تترابط قصص حياة سكان قريتنا.
كان أبي وإخوته الذين كانوا في سن المدرسة قبل بداية الحرب تلاميذ في المدارس الإلزامية والثانوية العليا. وما أتاح لهم إمكانية الذهاب إلى المدرسة كان احترام والديهم للتعليم واعتباره بديلا لعملية الزراعة البسيطة التي كان على الأكثر واحد فقط من الأولاد يعيش عليها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فرحتهم بمواهب أبنائهم. فضلا عن ذلك كان من المعروف أن تلاميذ المدارس يعملون في البيت أفضل ممن يتعلمون الحرف. لم يكن هناك ما يتعارض مع فكرة المدرسة، اللهم إلا في حالة روبيرت، ثالث أصغر الإخوة؛ فقد ترك دراسته الثانوية لأنه كان يخشى من أن والديه يخططان لجعله راهبا. •••
في فبراير 1944، استدعي أبي للخدمة العسكرية، وكان ابن تسعة عشر عاما وتلميذا في مرحلة الثانوية العليا، ومن ذوي أصول ريفية، وليست لديه معرفة كبيرة بالعالم ولا خبرة واسعة في الحياة. كان قد غادر مرحلة الطفولة ولم يصل إلى مرحلة النضج بعد، ليس بالعسكري ولا بالمدني، أو كما كان أندري بيلي يسمي من هم على حاله: التلاميذ الجنود.
تم نقله من «خدمة العمل الإلزامي» إلى «خدمة السلاح» في منتصف عام 1944؛ تقريبا مثل ما حدث مع إميل الذي يكبره بثلاثة أعوام وباول الذي يصغره بعام. أما من بقي في البيت فأصبح الآن يتابع التطورات السياسية باهتمام؛ خوفا على الإخوة والأبناء الذين يشاركون في الحرب، وعندما كانت تمر الأسابيع دون سماع أخبار من الأولاد، كان القلق والتساؤلات يتزايدان.
অজানা পৃষ্ঠা