وَأما الْوَجْه الرَّابِع فَمَا دلّ عَلَيْهِ الْعلم وَثبتت عَلَيْهِ الْمعرفَة وَذَلِكَ أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ لما دَعَا إِلَى الثِّقَة بِهِ والتوكل عَلَيْهِ بَين الْعلم عَمَّا أَرَادَهُ من ذَلِك وَالَّذِي بَين الْعلم عَنهُ من ذَلِك من معنى الثِّقَة أَن تكون الْقُلُوب لله ﷿ مصدقة وَتَكون بوعده موقنة وَتَكون إِلَيْهِ فِي كل حَال سَاكِنة قد أغناها بضمانه عَن النّظر إِلَى شَيْء دونه
فَإِذا ملك خَاصَّة الْقُلُوب ذَلِك وأقرت بِهِ الْأَلْسِنَة وحذره الْعلم بِاللَّه تَعَالَى والمعرفة بِهِ جلّ وَعز من أَن يمِيل إِلَى شَيْء دونه فأمنت الْقُلُوب فِي التَّوَكُّل فِي حَقِيقَة من حقائقه وَفِي مقَام شرِيف من مقاماته
فَإِن أوجدها الله جلّ ثَنَاؤُهُ فضلا مِنْهُ فِي سعي جارحه أَو دلها الرَّسُول ﷺ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا إِلَى الله تَعَالَى مقربة وَفِي حَال السَّعْي بسعيها زَائِدَة بِمَا تعبدت بِهِ أَو ندبت إِلَيْهِ أسرعت إِلَى ذَلِك لما ملكهَا من مُوَافقَة سَيِّدهَا وَجل عِنْدهَا من قدر مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِمَّا يقرب مِنْهُ فَكَانَ السَّعْي عَن تمكن الرَّغْبَة فِي الطَّاعَة الجامعة للقلوب من غير سآمة مِنْهَا لما شَمل فاقتها من خَالص الموهبة وجزيل سناء الخصوصية وَكَانَ السَّعْي فِي ذَلِك لصفاء مَا فِي الْقُلُوب من تمكن السكينَة وحقائق الثِّقَة
وَكَانَت الْقُلُوب بسعي الْجَوَارِح فِي ذَلِك زَائِدَة بسعيها متمكنة فِي مرتبتها وَلَا ينقص السَّعْي عَلَيْهَا حَالهَا وَلَا يجرها ذَلِك إِلَّا إِلَى مَا يقْدَح فِي ذكرهَا فَكَانَ هَذَا السَّعْي على مَا وَصفنَا زَائِدَة لَهَا فِي مواصلتها فِي الْقرب إِلَى علو الدَّرَجَات فِي قربهَا وَكَانَ السَّعْي على مَا بَين الله وَرَسُوله من فضل السَّعْي على مَا وَصفنَا مِمَّا افْترض على الْخلق وندبوا إِلَيْهِ على مَعَاني
أَحدهَا أَن يكون السَّعْي بالجوارح بَعْدَمَا وَصفنَا من قيام الثِّقَة فِي الْقُلُوب وَتمكن السكينَة منغصا عَلَيْهَا حَال الْقلب موجدا لَهَا النُّزُول عَن مرتبتها فَيكون تَركهَا للسعي لما تَجِد من النَّقْص
فَهَذِهِ حَال دون حَال الأقوياء الَّذين سعوا فِي ذَلِك وهم يَجدونَ
1 / 45