وقيل: إنها لم تزل تهوي بما عليها، من أجل قوتها وثقلها، وهذا من أضعف المقال، وهو قول الزنادقة الجهال، الكفرة الفجرة الضلال، أنها لم تزل تهوي، وهذا فما لا يقول به أحد يعقل ولا يعي، ولا يتكلم بهذا إلا من سلب عقله، وعظم موته وجهله، وجلى هلاكه وخبله، لأنها لو كانت تحرك على عظمها وجلتها، لهلك من على ظهرها، ولما فرق بين الحركة والسكون إذ كانت حركتها لا ترى، فجعلوا السكون حركة والحركة سكونا، والظنون عقولا والعقول ظنونا، فزادهم الله عمى، وخبلا وضلالة وعيا، فيالهم الويل الطويل!! والعذاب والخزي الجليل. أما علموا لا علمهم الله رشدا، ولا وفقهم لخير أبدا، أن الحركة هي الزوال، وأن السكون هو اللبث؟! وشتان بين الهدوء والجمود!! والحركة والجثة!!
أوما علموا أن حقيقة الحركة هي زوال الجسم واختفاقه؟! وحقيقة السكون تخلف الجسم ولبثه واعتتاقه.
أوما علموا أيضا أن الثقيل كلما ثقل كان أعظم لزواله؟! وأسرع لهويه وانتقاله، فقد رأينا بعقولنا، وشاهدنا بأبصارنا الحجر أسرع هويا في الجو من الطين والتراب، ورأينا التراب أسرع انحدارا من الخفيف، فكيف لحقت الحجر الأرض والأرض أثقل منها، والثقيل أسرع مضيا وانحدارا، وأقل لبثا وقرارا، وأجدر بالسقوط والانحدار، وأبعد من اللبث والفرار.
ثم نظرنا إلى الريشة فإذا هي أخف الأشياء، ورأيناها تلحق الأرض على ضعفها، وقلة انحدارها وموتها.
ودليل آخر
أن الجسم إذا هوى سفلا، أو من السفل علوا، أو من غيرهما من الجهات، لا يخلو في حركته من أن يكون قطع أماكنا متناهية، أو قطع أماكنا لا نهاية لها، أو لم يقطع بحركته أماكنا.
فإن قلت: إنه لم يقطع أماكنا، جعلته ساكنا، لأن المتحرك لا يتحرك إلا في مكان، ولا بد المتحرك يقطع مسافة متناهية.
وإن قلت: إنه قطع أماكنا لا نهاية لها، فهذا محال، لأن قولك قطع أماكنا يوجب نهاية الأماكن، لأن القطع جرى عليها، وإذا قطعت فقد تناها قاطعها.
পৃষ্ঠা ৮৯