والدليل على ما ذكرنا من العلم (1) والحكمة والرحمة، أن الرحمة هي الفضل (2) والنعمة. وأن الكرم هو البسط للمنافع عند الحاجة والفاقة، وإن (3) ذلك لا يكون إلا من عالم حكيم، لأنه لم يعط عبيده ما أعطاهم إلا لعلمه بفاقتهم، ولم يتكرم عليهم بإيجادهم إلا لإتمام الحكمة في خلقهم، ولم ينعم عليهم إلا تفضلا برزقهم، وذلك أنا نظرنا إلى ما جعل فيهم من الحياة بعد موتهم، فعلمنا أن الحياة من أكثر النعم، وأعظم الفضل وأكمل الكرم. ثم نظرنا إلى ما جعل فيهم من المفاصل المفصلة التي لا يصلح التدبير ولا يتم إلا بها، فجعل المفاصل للحركة والمسير، والقيام والقعود، والإقبال والإدبار، ولم يكن ذلك ليتم إلا بما جعل من الأبصار، المضيئة المنيرة في الليل والنهار، الهادية في البر والبحار ، ولولا تلك النواظر لما تم التدبير، ولكان العمى من أعظم المهالك والتدمير، ثم جعل الألسن الناطقة، وجعل الأسماع الواعية، وجعل العقول المميزة، التي لولا هي لهلك المخلوق، فجعلها لاجتلاب المنافع ونفي المضار، ومعرفة الخيرات والسرور، واستخراج عجائب الأمور.
পৃষ্ঠা ১৪০