وهما الكبر والصغر، فما الذي جعل بعضها كبيرا، وجعل منها شيئا صغيرا، حتى خالف بينهما، وما الخصيصة التي فضلت أحدهما بالكبر، وخصت أحدهما بالقلة والصغر، أو لست تعلم أن الخصائص تدل على المختص بها.
ودليل آخر
لما نظرنا اختلاف سهولها وجبالها، وتضآد أحوالها وألوانها، دل ذلك على صانعها وجاعلها، إذا التفضيل لبعضها على بعض، دل على المفضل بينها.
ودليل آخر
أنا نظرنا إلى افتراقها واجتماعها، فوجدنا منها ما هو ملتحم مجتمع، ومنها ما هو مفترق منقطع، [ف] علمنا أن له مفرقا جامعا، ومفتطرا خالقا صانعا، وإلا فما جعل المفترق مفترقا، دون أن يكون ملتما ملتزقا؟ وما خص أحدهما بالتباين والافتراق؟ وخص الآخر بالملائمة والإلتزاق؟!
ومما يدل على حدث الجسم الواحد في ذاته، أنه متغاير مختلف في جميع صفاته، لأن حركة الشيء غير سكونه، ورائحته أبدا غير لونه، وصفاته غير عينه، فلا بد من صانع ألف بين المختلفات بلطفه، وإلا فما الذي خالف بين الموصوف ووصفه؟!!
وسألت عن الدليل على حدث أصول المتناسلة وفروعها، وبيان الصنع في عللها وطبائعها؟
والجواب في ذلك: أن الدليل على حدث أصولها وفروعها، أن الحكمة لازمة لجميعها، لأن كل طبيعة من طبائعها قد جعلت لمصلحة من مصالحها، كما أصلحت الأجساد بآلات جوارحها، فكل طبيعة من هذه الطبائع لا تشبه الأخرى، ولولا اختلافها على الحيوانات لهلكت، وما تناسلت ولا كثرت، لا الحيوانات في بدي نشأتها ركبت على ضعف بنيتها، لتعلم بفاقتها وحاجتها، أنها مضطرة إلى المنعم بقوتها، لتشكر فضل نعمه بحياتها، فتستحق المدح والثواب على شكرها.
পৃষ্ঠা ১১৮