ودليل آخر
أن بعثهم بعد موتهم لا يؤوده ولا يعجزه، وإذا لم يعجز عن فعل الخير وجب عليه فعله.
ودليل آخر
أنه أمر ونهى فأطاعه قوم وعصاه آخرون، وقد وعد من أطاعه بالثواب، وأوعد من عصاه بالعقاب، ثم انقضت آجال المطيعين ولم يثابوا، وانقضت آجال العاصيين ولم يعاقبوا، فعلمنا أن ثم دارا غير هذه الدار، يثاب فيها المحسنون، ويعاقب فيها المسيئون، لأن المطيع يجب له الثواب، وكذلك يجب على أهل المعصية العقاب، لأن الحكيم لا يخلف الميعاد، لأنه غني عن إخلاف وعده ووعيده.
ألا ترى أن المخلف لوعده إنما يخلفه لأحد ثلاثة أوجه:
إما لاجتلاب منفعة. أو دفع مضرة. أو عبث وسفه.
فاجتلاب المنافع واللذات، لا يكون إلا للمحدثات، لأن لذة المنفعة لا تصل إلا إلى كل شيء أو بعضه، والكل والبعض لا يكون إلا مخلوقا محدثا، ومربوبا مدبرا، لأن المحتاج المضطر لا بد له من مانع منعه من الغناء والسعة والجاه، واضطره إلى الحاجة، وكذلك الدافع عن نفسه للمضار يكون محتاجا إلى الدفاع عن نفسه، ملجأ مضطر إلى الخوف من هلكته، ومن كان مضطرا ضعيفا خائفا، لم يكن ربا ولا خالقا، لأنه محل للخوف واللذات، وملجأ إلى المحن النازلات، غير آمن من المهلكات، فهاتان صفتان للمخلوقين، يتعالى عنها رب العالمين، وفاطر السماوات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، ومجيب المضطرين، وأرحم الراحمين، وأعظم الأعظمين، وأكرم الأكرمين.
পৃষ্ঠা ১১৫