من ذلك ما شاهدنا، في جميع الحيوانات منا ومن غيرنا، من عجيب تصويرها، وإحكام صنعها وتدبيرها، وإصلاح منافعها وتعميرها، وما جعل الله لها من تفصيل أجسامها وتوصيلها، وشد أسرها وتعديلها، وإثبات مصالحها التي لو لا هي لهلكت ودمرت، ولما تناسلت ولا كثرت.
ومن ذلك ما جعل فيها من العقول لاختلاف المنافع ونفي المضار، والمفاصل التي جعلها للحركة والمجيء والإياب والإدبار، وما جعل من الحواس الخمس، من العيان والسمع والشم والذوق واللمس، وجعل كل حاسة لشيء بعينه، لما أراد من ثبات الدليل وتبيينه، إذ لا يجعل الشيء للشيء إلا حكيم، ولا يدبر ويصف إلا عليم.
ومن ذلك ما جعل من الذكور والإناث، وأبان في ذلك من الجعل والإحداث، فجعل كل زوج من ذلك يصلح للآخر بتقديره، لما أراد سبحانه من خلق النسل وتكثيره، ثم جعل للنسل معايش في صدور الإناث بلطفه، لما علم من فاقة الطفل وضعفه، وهذا ومثله فلا يتم إلا بعلم من عليم، وتدبير من صانع حكيم، ثم جعل سبحانه للأطفال بعد كبرهم معايش غير معايشهم في حال صغرهم، ليتم بذلك ما أراد من تعميرهم، فبسط لهم الكفاية من رزقه، بعد إكمال تصويره وخلقه، وجعل في الأجساد مداخلا للأغذية لعلمه بفاقتهم إليها، وجعل لهم مخارج لها إذ فطرهم عليها، فلما نظرنا إلى عجيب ما صنع وافتطر، وبين من حكمته وأظهر، صح عندنا بأيقن اليقين أن الحكمة لا تكون إلا من حكيم، لأن ا لحكمة لا تهيأ إلا لعليم، لأن الجهل ليس معه نعمة، ولا يتم للطبائع التي ادعا الملحدون علم ولا حكمة، لأن الموت لا يكون حكيما ولا سمعيا (1)، ولا يكون المصلح المنعم إلا رحيما.
فمن أنكر ذلك!! قيل له ولا قوة إلا بالله: ما نقول هل فيما ذكرنا حكمة تدل على الواحد الجليل؟
পৃষ্ঠা ১০০