মাজমুক
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
জনগুলি
ولكن أعداء الله حسبوا وتوهموا، وتجاهلوا عن الحق فلم يعلموا، أن غضب أولياء الله لربهم، أكثر من غضبهم لأنفسهم، أو ليس قد حكى الله في القرآن مجادلتهم للفراعنة الجبارين؟! العتاة الطغاة المتكبرين، فكيف بضعفة الإسرائليين؟! وغيرهم من المسكنة الضالين؟! وهل كانوا يضنون بأنفسهم عن طاعة رب العالمين؟! وقد حكى الله عن نبيه إبراهيم، من العزيمة ما ألقي لأجله في الجحيم، فنجاه برحمته من كيد الكايدين، وكذلك يجزى الله المحسنين، وأمره الله وامتحنه، وابتلاه ومحضه، واختبره بالعزيمة على ذبح ولده، ولم يرد الله غير [إظهار] عزيمته، ولكنه لم يدر عليه السلام بقصد الله وإرادته، فقام عليه السلام بولده ومهجة قلبه، وثمرة فؤاده ونفسه، ليفري أوداجه ذنجا، طاعة لله ومسارعة ونصحا، مع ما هو عليه من شفقته، وكرم طباعه ورحمته، وحسن أخلاقه ومروته، فما منعه ذلك من طرح ولده على وجه الأرض وصرعه، وعزيمته على تلفه وقطعه، وتركه لحر جبين ولده على حضيض التراب ووضعه، فلما رأى الله منه ما رأى، وإذ لا شك عنده في طاعة الله ولا امتراء، وأظهر من أمره وفضله ما كان مستورا، أمره حينئذ بأن لا يذبح ولده، بعد ما أظهر سبحانه بهذه المحنة صبره وجلده، ولم يعلم صلى الله عليه بإرادة الله فيما أوحى إليه، وكذلك فعل بقومه وأبيه، بعد احتجاجه ولطفه وتأنيه، واستغفاره لوالده خوفا من أن يكون من الضالين، ورجاء أن لا يكون من المتعمدين، احتياطا منه لطلب الأمان، وخوفا من العذاب والنيران، { فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } [التوبة:114]. والأواه فهو: المتأوه الحزين، والتأوه في ذاته فهو: الأنين، والزفير والأحزان والحنين، لما دخل قلبه من خالص اليقين، ولما عرف من الحق المبين، فلما امتلأ قلبه نورا، وصار بذكر الله ومعرفته معمورا، حزن على نفسه عند ذلك من ذكر الموت والعذاب، وأقبل على الدين والحق والصواب، ونقى قلبه وطهره من اللعب، وسلا عن التصابي والجهل والطرب، ولم أر شيئا أجلى للقلوب من العدل والتوحيد، ومعرفة الوعد والوعيد، وتلاوة القرآن، وكثرة الدعاء إلى الرحمان، فمن أراد أن ينجو عند الله من العقاب، ويسدد إلى طريق الصواب، فيتحرز من الكبر والإعجاب، ويحتسب نفسه أذل من التراب، فإن الله عز وجل نهى عن التكبر لما فيه من أصناف العيوب، لأنه أحد متالف القلوب.
وكيف يتكبر من هو ضعيف رذل؟! لمنقوص في جميع الأحوال نذل؟! وكيف يعجب بنفس تزول عن قليل محاسنها؟! ويكثر وشيكا عويلها وحزنها؟! مع ما يستر دائما من عيوبه، ويحمله على مقارنه وقريبه، إلا أن يكون قد أعجب بنفسه لكثير عمله، فهو يعلم أن حقوق الله أكثر من فعله، وأن عمله لا يقوم بنعمة من نعم مولاه، ولا بشربة ماء مما سقاه، ولا بشفاء مرضه مما شفاه، ولا بعافية ساعة مما عافاه.
পৃষ্ঠা ২৬৯