[الكلام على خبر ((وما لم يوافقه فليس مني))]
فإن قيل: قد ورد: (( ماروي عني فأعرضوه على كتاب الله فماوافقه فهو مني ومالم يوافقه فليس مني )) فإذا حملت الموافقة على المماثلة لزم أن لايقبل شيء من السنة إلا أن يكون مثله في الكتاب، وهذا هو القول الأول الذي حكاه الإمام واحتج على سقوطه بأن بعض الأحكام أخذت من السنة فقط.
قيل: الخبر الأول أشهر والأخذ به هو الأظهر، وحمل هذا الخبر على ظاهره يؤدي إلى إهدار أكثر السنة. وقد قال تعالى: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) ولم يفصل الدليل فوجب العدول إلى التأويل، والجمع بينهما ممكن على أقرب الوجوه.
فنقول: يحمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ومالم يوافقه فليس مني)) على التجوز بعدم الموافقة عن المخالفة، ولك في توجيه هذا المجاز وجهان:
أحدهما: أن يكون من المشاكلة، وهو أنه لما تقدم قوله: فما وافقه.. الخ. شاكله بقوله: ومالم يوافقه. والعلاقة بين عدم الموافقة والمخالفة الاطلاق والتقييد، لأن عدم الموافقة يصدق بالمغايرة مطلقا سواء كان ثم مباينة ومعارضة أم لا، والمخالفة لاتصدق إلا بالمغايرة مع المباينة والمعارضة.
وثانيهما: أن يكون من المجاز المرسل من أول وهلة، والعلاقة مابينهما من الإطلاق والتقييد. فهذان طريقان مسلوكان في اللسان مأهولان عند أهل البيان، وإن رمت النظر في إعمال الخبر على مقتضى قواعد الأصول فلك أن تقول قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ومالم يوافقه فليس مني )) مطلق لأنه صادق مع المصادمة وعدمها وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( وماخالفه )) مقيد لأنه لايصدق إلا مع المصادمة، فيحمل المطلق على المقيد، وكذا ماورد من هذا الباب فإنه من نسج ذلك الجلباب.
পৃষ্ঠা ৯