المجيد في إعراب القرآن المجيد
للسّفاقسيّ المتوفّى سنة ٧٤٢ هـ تحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن
1 / 1
بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شرف خلقه النبي العربي الأمين.
وبعد؛ فإنّ صلتي بكتاب (المجيد في إعراب القرآن المجيد) للسفاقُسي تعود إلى أيام دراستي في كلية الآداب بجامعة القاهرة إذ سجلت تحقيق هذا الكتاب ودراسته موضوعا لرسالة الدكتوراة بإشراف الأستاذ الدكتور حسين نصار وقطعت شوطا في تحقيقه بعد أن تهيّب كثيرون من غمار الخوض فيه لطوله وكثرة شواهده وتفرّق نسخه المخطوطة.
ثمّ شاءت الصدف أن أترك جامعة القاهرة، وأنتقل إلى جامعة بغداد، فتمّ تسجيل موضوع آخر.
1 / 5
وقد ارتأيت، لأهمية هذا الكتاب النفيس الذي ما زلت أعكف على تحقيقه منذ أكثر من عشر سنوات، أن ألقي الضوء عليه معرّفا به ومحقّقا لإعراب البسملة والفاتحة منه، وسيرى القارئ مدى اهتمام علمائنا، ﵏، بوجوه إعراب القرآن الكريم، إذ لولا القرآن لما كانت عربية، وستبقى اللغة العربية خالدة ما دام هناك قرآن يتلى.
والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، ويجنّبني الزيغ والزلل، فهو الهادي إلى سواء السبيل.
1 / 6
المؤلف
برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم القيسي السّفاقسي المالكي.
ولد سنة ٦٩٧ وقيل: ٦٩٨ هـ، وسمع ببجانة من شيخها ناصر الدين، ثمّ حجّ وأخذ عن أبي حيان النحوي بالقاهرة وعن غيره، ثم قدم هو وأخوه دمشق سنة ٧٣٨ هـ فسمع بها كثيرا من زينب بنت الكمال وأبي بكر بن عنتر وأبي بكر بن الرضي والإمام المزّي.
ومهر السّفاقسي في الفضائل والعلوم، قال عنه الذهبي معاصره: له همة في الفضائل والعلوم.
وكان إماما فقيها أفتى ودرس سنين، وكان معدودا من علماء المالكية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه حينما أخذ عن أبي حيان تقدّم في حياته حتى وقف منه موقف الندّ للند إذ خالفه في كثير مما ذهب إليه، ولهذا اغتاظ أبو حيان فكتب إجازة في ذمّ تلميذه السفاقسي لرده عليه في إعراب القرآن، وقد وصلت إلينا هذه الإجازة.
وللسفاقسي مؤلفات لم يصل إلينا منها غير كتاب المجيد الذي سيأتي الحديث عنه، وقد ذكر له أصحاب التراجم كتاب (شرح ابن الحاجب في الفقه).
1 / 9
وكانت وفاة السّفاقسيّ سنة ٧٤٢ هـ في ثامن عشر من ذي القعدة. وانفرد ابن تغري بردي فجعل سنة وفاته ٧٤٣ هـ (١).
_________
(١) ينظر:
- الدرر الكامنة ١/ ٥٧.
- النجوم الزاهرة ١٠/ ٩٨.
- بغية الوعاة ١/ ٤٢٥.
- كشف الظنون ٢/ ١٦٠٧.
- روضات الجنات ١/ ١٧٤.
- أعيان الشيعة ٥/ ٤٥٨.
- الأعلام ١/ ٦١.
1 / 10
كتاب المجيد في إعراب القرآن المجيد
مصادره:
في الكتاب نقول كثيرة، وهي تؤلف المادة الأصلية للكتاب وأكثر هذه النقول أخذها من كتاب شيخه أبي حيان وهو البحر المحيط كما أشار إلى ذلك في مقدمته.
فمصادره الأصلية كانت تتمثل في الكتب الآتية:
- البحر المحيط: لأبي حيان.
- التبيان في إعراب القرآن: للعكبري.
- المحرر الوجيز: لابن عطية.
- الكشاف: للزمخشري.
وثمة نقول كثيرة عن علماء سمّى كتب قسم منهم تارة واكتفى بذكر أسمائهم تارة أخرى وقد أثبتنا أسماء كتب قسم منهم في الحواشي.
ومن هؤلاء العلماء:
الفراء وأبو عبيدة والأخفش وأبو عبيد والطبري والزجاج وابن الأنباري وأبو جعفر النحاس وابن جني والجوهري والحوفي ومكي بن أبي طالب القيسي والمهدوي وابن سيده والطوسي والأعلم الشنتمري والسجاوندي والسهيلي والفخر الرازي وابن الحاجب وابن عصفور وابن مالك وغيرهم ...
1 / 11
منهجه:
بيّن السفاقسي في مقدمته لكتابه منهجه بعد أن أشاد بشيخه أبي حيان الأندلسي لأنه سلك في إعراب القرآن في كتابه (البحر المحيط) طريقة لم يسلكها أحد من معربي القرآن
على كثرتهم، إذ سلك فيه سبيل التحقيق، وزيّف أقوال كثير من المعربين، وبيّن حيدها عن أصول المحققين، ولكنّ أبا حيان سلك في كتابه سبيل المفسرين في الجمع بين التفسير والإعراب، فتفرّق فيه هذا المقصود، وصعب جمعه إلّا بعد بذل المجهود.
ثم بيّن منهجه بعد ذلك قائلا:
فاستخرت الله تعالى في جمعه وتقريبه وتلخيصه وتهذيبه ... فجاء والحمد لله في أقرب زمان على نحو ما أمّلت، وتيسّر عليّ سبيل ما رمت وقصدت.
وبيّن عمله في كتابه فقال: ولا أقول: إنّي اخترعت، بل جمعت ولخّصت، ولا أنني أغربت، بل بيّنت وأعربت.
ثمّ قال:
ولما كان كتاب أبي البقاء المسمى ب (البيان في إعراب القرآن) كتابا قد عكف الناس عليه، ومالت نفوسهم إليه، جمعت ما بقي فيه من إعرابه مما لم يضمّنه الشيخ في كتابه، وضممت إليه من غيره ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى ...
ثمّ قال:
وجعلت علامة ما زدت على الشيخ (م)، وما يتفق لي إن أمكن فعلامته: (قلت)، وما فيه من: أعترض وأجيب وأورد ونحو ذلك مما لم أسمّ قائله فهو للشيخ.
1 / 12
ثمّ قال:
وقد تكون القراءة الشاذة عن أشخاص متعددين فأكتفي بذكر واحد منهم قصدا للاختصار، وما كان عن بعض القراء مشهورا أو شاذّا عزيته إليه ثم أقول: والباقون، وأريد به: من السبعة.
هذا هو منهج السّفاقسيّ في ضوء مقدمته لكتابه.
فالكتاب إذن تلخيص لكتاب البحر المحيط وهذا يردّ على السيوطي الذي قال في الإتقان: (إن أشهر كتب الإعراب كتاب العكبري، وكتاب السمين أجلها على ما فيه من حشو وتطويل، ولخصه السفاقسي فحرّره).
والصواب أنّ السفاقسي لخص كتاب البحر المحيط.
وأنّ السمين الحلبي لخص كتاب شيخه أبي حيان أيضا وسمّاه (الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون).
والتلخيصان، أعني المجيد والدرّ المصون، كانا في حياة شيخهما أبي حيان.
أهميته:
تكمن أهمية الكتاب في أنّه في إعراب القرآن الكريم وأنّه جمع وجوه إعراب كل آية أوردها.
وقد بيّن آراء البصريين والكوفيين في إعراب هذه الآيات وضعّف قسما منها.
يعد من أهم الكتب التي بيّنت وجوه القراءات في كل آية، فهو كتاب في القراءات إضافة إلى كونه كتاب إعراب.
1 / 13
وامتاز الكتاب بكثرة شواهده التي أربت على الألف، وتتضح قيمة هذه الثروة الشعرية إذا ما قوبل بغيره من كتب إعراب القرآن، فقد بلغت شواهد مكي بن أبي طالب في كتابه (مشكل إعراب القرآن) اثنين وثلاثين شاهدا وبلغت عند أبي البقاء العكبري في كتابه (التبيان في إعراب القرآن) واحدا وستين شاهدا.
والكتاب غنيّ ببحوث النحو والصرف ومعاني مفردات اللغة.
لكل هذا فقد اهتم به العلماء فصنّف شمس الدين محمد بن سليمان الصّرخديّ النحويّ المتوفّى سنة ٧٩٢ هـ: (مختصر إعراب السّفاقسيّ).
مخطوطات الكتاب:
اعتمدت في تحقيق البسملة والفاتحة على نسختين:
الأولى- نسخة دار الكتب الظاهرية المرقمة ٥٣٠ (تفسير) وهي الأصل
والجزء الأول منها يبدأ من أول الكتاب إلى آخر سورة آل عمران.
وهي نسخة جيدة كتبت بخط جيد، وتاريخ نسخها سنة ٩٨٦ هـ.
عدد أوراقها ٤٢٣ ورقة، وعدد أسطر كل صفحة ١٧ سطرا.
الثانية- نسخة دار الكتب المصرية المرقمة ٢٢٢ (تفسير). وقد رمزنا إليها بالرمز (د)
وهي نسخة تامّة عدد أوراقها ٦٠٧ ورقة، وعدد أسطر كل صفحة ٣٣ سطرا. وليس فيها تاريخ للنسخ.
1 / 14
وقد أرفقت صورا لصفحة العنوان والورقة الأولى من كل نسخة.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ زيادات النسخة (د) قد وضعت بين قوسين مربعين من غير إشارة إلى ذلك.
وقد اتبعت في التحقيق المنهج العلمي الذي اتسمت به المدرسة العراقية، والحمد لله أولا وآخرا.
1 / 15
صفحة العنوان من نسخة دار الكتب الظاهرية.
الورقة الأولى من نسخة دار الكتب الظاهرية.
1 / 16
صفحة العنوان من نسخة دار الكتب المصرية.
الورقة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية.
1 / 17
(١ ب) بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وسلّم.
الحمد لله الذي شرّفنا بحفظ كتابه، ووفّقنا لفهم منطوقه ومفهوم خطابه، ووعدنا على تبيين معانيه وإعرابه، بجزيل مواهبه وعظيم ثوابه، وهدانا بنبيّه المصطفى ورسوله المجتبى خير مبعوث بآياته، وبالقرآن وهو أعظم معجزاته، كتاب مجيد لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) (١)، أذلّت بلاغته أعناق أرباب الكلام، وأعجزت فصاحته ألسنة فصحاء الأنام، فبسط المؤمنون يد الإذعان والتسليم، وأطلقوا ألسنتهم بالقول الصحيح السليم إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) (٢)، وقبض الكافرون يد الإنصاف وقيّدوا ألسنتهم بالخلاف، فخرجوا عن طرق الهدايات وحصلوا في شرك الضلالات، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ (٣)، فلما وقعوا على داهية دهياء أجابوا عن فطنة عمياء، فقالوا بلسان الكلال والحصر: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) (٤)، أقعدتهم براعته ودهمتهم فصاحته، فأجابوا بلسان الباطل والمجنون (٥)، وقالوا: أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٦)، أفحمتهم جزالة آياته ورمتهم سهام مغيّباته، (٢ أ)
_________
(١) فصلت ٤٢.
(٢) الحاقة ٤٠، التكوير ١٩. وفي د: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وهي الآية ٧٧ من الواقعة.
(٣) البقرة ٢٥٧.
(٤) المدثر ٢٤، ٢٥.
(٥) من د. وفي الأصل: المجون.
(٦) الصافات ٣٦.
1 / 19
فتاهوا (١) في ظلمة معاند أو راعن وقالوا: هو كاهن. فيا عجبا كيف كلّت سيوف فصاحتها وعثرت فرسان بلاغتها، حتى نطقوا بكلام غير معقول، لا يرشدها
ولا يهديها عقول وأيّ عقول، ولكن كادها باريها، فالحمد لله على نعمة الهداية وله الشكر على السلامة من الضلالة والغواية.
وبعد فلمّا كان اللسان العربي هو الطريق السنيّ إلى فهم مفردات القرآن العزيز وتركيباته، وعليه المعوّل في معرفة معانيه وتدبّر آياته (٢)، وبحسب قوّة الناظر فيه تلتقط (٣) درر المعاني من فيه، يعرف ذلك من راض أبيّه وخاض أتيّة، وجب صرف العناية إلى ما يتعلّق به من علم اللسان من جهة مفرداته وتركيباته تصريفا وإعرابا، لكثرتهما تشعّبا واضطرابا جارين على قواعدهما مرتّبين على أصولهما، ليعرف الخطأ من الصواب، وينكشف القشر عن اللباب فيصير كالفقه إذا استخرج من قواعده واستنبط من أصوله وموارده، وقلّ من سلك هذه الطريقة من (٤) المعربين واقتعد (٥) غاربها من المحقّقين، إلّا الشيخ الفاضل [المحقّق] أثير الدين (٦) فإنّه ضمّن كتابه المسمّى ب (البحر المحيط) (٧) هذا (٨) الطريق وسلك فيه (٢ ب) سبيل التحقيق، وزيّف أقوال كثير من المعربين، وبيّن جيدها عن أصول المحققين. هذا مع ما له في علم
اللسان من الكتب العظيمة الشأن [جمع فيها
_________
(١) د: فتهاهوا. وهو تحريف.
(٢) د: وتدبيراته. وهو خطأ.
(٣) د. يلتقط.
(٤) د: إلى.
(٥) د: اعتقد.
(٦) أبو حيان النحوي محمد بن يوسف، ت ٧٤٥ هـ. (الدرر الكامنة ٥/ ٧٠، البدر الطالع ٢/ ٢٨٨).
(٧) طبع في ثمانية أجزاء.
(٨) د: هذه. والطريق: يذكر ويؤنث. (المذكر والمؤنث للفراء ٨٧).
1 / 20
ما لم يسبق إليه، ولا احتوى أحد قبله ولا يحتوي بعده عليه، فلقد أتقن ما جمع نهاية الإتقان، وأحسن إلى طلبة هذا العلم غاية الإحسان]، فجزاه الله عن (١) العلم والعلماء خيرا، وزاده شرفا كثيرا (٢) لكنّه، أبقاه الله، سلك في ذلك سبيل المفسّرين في الجمع بين التفسير والإعراب فتفرق (٣) فيه هذا المقصود، وصعب جمعه إلّا بعد بذل المجهود، فاستخرت الله تعالى (٤) في جمعه وتقريبه وتلخيصه وتهذيبه، فوجدت لسبيل التأميل (٥) مدرجا وجعل الله لي من ربقة العجز مخرجا، فشرعت فيما عزمت عليه، وامتطيت جواد الجدّ إليه، فجاء والحمد لله في أقرب زمان، على نحو ما أمّلت وتيسّر
عليّ سبيل ما رمت وقصدت، ولا أقول: إنّي اخترعت بل جمعت ولخّصت، ولا إنّي أغربت بل بيّنت وأعربت.
ولمّا كان كتاب أبي البقاء (٦) المسمّى ب (البيان في إعراب القرآن) (٧) كتابا قد عكف الناس عليه، ومالت نفوسهم إليه، جمعت ما بقي فيه من إعرابه مما لم يضمّنه الشيخ في كتابه وضممت إليه من غيره ما ستقف عليه إن شاء الله [تعالى] عند ذكره ليكتفي الطالب لهذا الفنّ بضيائه ولا يسير إلّا تحت لوائه.
كالشمس يستمدّ من أنوارها ... والشمس لا تحتاج لاستمداد (٨).
على أنّه لو لم يشتمل على هذه الزيادة لكان فيه أعظم كفاية ومزادة، (٣ أ) وبالنظر فيه ترى الفرق وتعرف الحقّ.
_________
(١) د: من.
(٢) د: كبيرا.
(٣) د: فيعرف.
(٤) ساقطة من د.
(٥) د: التكسل.
(٦) عبد الله بن الحسين العكبري، ت ٦١٦ هـ. (وفيات الأعيان ٣/ ١٠٠، بغية الوعاة ٢/ ٣٨).
(٧) كذا جاء اسمه في النسختين وطبقات المفسرين للداودي ١/ ٢٢٥. وطبع باسم (التبيان في إعراب القرآن).
(٨) د: إلى استمداد.
1 / 21
وجعلت علامة ما زدت على كتاب الشيخ (م)، وما يتّفق لي إن أمكن فعلامته (١):
(قلت). وما فيه من: اعترض (٢) وأجيب وأورد ونحو ذلك مما لم أسمّ قائله فهو للشيخ.
وقد تكون (٣) القراءة الشاذّة عن (٤) أشخاص متعددين فأكتفي بذكر واحد منهم قصدا للاختصار. وما كان عن بعض القرّاء مشهورا أو شاذّا عزيته إليه ثمّ أقول: والباقون، وأريد به (٥): من السبعة.
وسمّيته ب (المجيد في إعراب القرآن المجيد).
والله أسأل أن ينفع به وأن يجعله خالصا لوجهه بمنّه وفضله.
_________
(١) من د: وهي محرفة في الأصل.
(٢) د: اعتراض.
(٣) د: يكون.
(٤) د: من.
(٥) ساقطة من د.
1 / 22
إعراب البسملة
[معاني الباء] (١): باء الجرّ تجيء للإلصاق حقيقة، نحو: مسحت برأسي. ومجازا، نحو: مررت بزيد.
م: قال س (٢): وإنّما هي للإلزاق والاختلاط، فما اتسع من هذا في الكتاب فهذا أصله. انتهى.
وللاستعانة، كما (٣) في بِسْمِ اللَّهِ.
م: قال السّهيليّ (٤): والمعنى أنّ المؤمن لمّا اعتقد أنّ فعله لا يجيء معتدّا (٥) به في الشرع حتى يصدر (٦) اسم الله [تعالى] وإلّا كان فعلا كلا فعل، فجعل (٧) فعله مفعولا باسم الله، كما يفعل الكاتب بالقلم. وزاد فيها وجها آخر وهو (٨) المصاحبة، أي متبرّكا باسم الله أقرأ، وهو عنده أعرب وأحسن.
وللسبب، كقوله تعالى: فَبِظُلْمٍ (٩).
وللقسم، نحو: بالله.
_________
(١) ينظر في معاني الباء: رصف المباني ١٤٢، مغني اللبيب ١٠٦، الدر المصون ١/ ١٤.
(٢) أي سيبويه. والقول في كتاب سيبويه ٢/ ٣٠٤.
(٣) د: كما هي.
(٤) أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، ت ٥٨١ هـ. (وفيات الأعيان ٣/ ١٤٣، نكت الهميان ١٨٧).
(٥) د: معتقدا.
(٦) د: تصدر باسم الله.
(٧) د: جعل.
(٨) من د. وفي الأصل: وهي.
(٩) النساء ١٦٠.
1 / 23
وللحال، نحو: جاء زيد بثيابه.
وللظرفية، (٣ ب) نحو: زيد بالبصرة.
وللنقل (١)، نحو: قمت بزيد.
وتزاد للتوكيد، نحو: ما زيد بقائم.
وزيد في معناها التبعيض، كقوله (٢):
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت ... متى لجج خضر لهنّ نئيج
وللبدل، كقوله (٣):
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا
وللمقابلة، نحو (٤): اشتريت الفرس بألف.
- وللمجاوزة، كقوله تعالى: تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (٥)، أي: عن الغمام (٦).
وللاستعلاء: كقوله تعالى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ (٧)، أي: على قنطار.
وكنى بعضهم عن الحال بالمصاحبة وبمعنى (مع)، وعن الاستعانة بالسبب، وعن التعليل بموافقة اللام (٨).
وتتعلّق الباء في بِسْمِ اللَّهِ بمحذوف، فقدّره البصريون: ابتدائي ثابت أو مستقرّ، فموضع المجرور عندهم رفع، وحذف المبتدأ
_________
(١) د: والنقل.
(٢) أبو ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين ١/ ٥١ مع خلاف في الرواية.
(٣) قريط بن أنيف في حماسة أبي تمام ١/ ٥٨. وفي الأصل: ركبانا وفرسانا. وأثبت رواية د.
(٤) ساقطة من د.
(٥) الفرقان ٢٥.
(٦) (أي عن الغمام): ساقط من د.
(٧) آل عمران ٧٥. و(إن) ساقطة من د.
(٨) البحر المحيط ١/ ١٤.
1 / 24
وما يتعلق به المجرور، وقدّره الكوفيون:
بدأت، فموضعه عندهم نصب، ورجح الأول ببقاء أحد (١) جزأي الإسناد، وهو الخبر.
والثاني بأنّ الأصل في العمل للفعل.
وقدّر الزمخشري (٢): أقرأ أو أتلوا مؤخّرا، أي: بسم الله اقرأ أو اتلو، .....
لأنّ (٣) الذي يجيء بعد التسمية مقروء (٤) والتقديم عنده يوجب الاختصاص، وردّ بمنع أنّ التقديم يوجب الاختصاص، فقد (٥) نصّ سيبويه (٦) على أنّ التقديم (٤ أ) للاهتمام والعناية، فقال: (كأنّهم يقدّمون الذي بيانه (٧) أهمّ لهم، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم)، قلت: هذا موضع قد تكرّر منع الشيخ فيه للزمخشري، وقد استدلّ عليه بكلام سيبويه، فأمّا المنع فجوابه ما نقل من كلام العرب (٨):
إيّاك أعني واسمعي يا جاره.
وهذا ظاهر في الحصر، لأنّ المفهوم منه أنّه لا يعني غيره ولم يستفد هذا إلّا من التقديم، والمنع في مثل هذا مكابرة. وبما حكي عن الأصمعيّ (٩) أنّه مرّ ببعض أحياء العرب فشتمت رفيقه امرأة ولم يتعيّن الشتم له دون الأصمعي، ثمّ التفت إليها رفيقه فقالت: إيّاك أعني، فقال للأصمعي: انظر كيف حصرت الشتم فيّ.
_________
(١) ساقطة من د.
(٢) الكشاف ١/ ٢٦. والزمخشري، محمود بن عمر، ت ٥٣٨ هـ (إنباه الرواة ٣/ ٢٦٥، طبقات المفسرين للداودي ٢/ ٣١٤).
(٣) د: إلّا أنّ.
(٤) د: مقدر.
(٥) د: وقد.
(٦) الكتاب ١/ ١٥.
(٧) د: شأنه.
(٨) جمهرة الأمثال ١/ ٢٩.
(٩) عبد الملك بن قريب، ت ٢١٦ هـ. (مراتب النحويين ٤٦، غاية النهاية ١/ ٤٧٠).
1 / 25
وأمّا كلام س (١) فقد ذكره في (باب الفاعل الذي يتعدّاه فعله إلى مفعول)، قال:
(وذلك قولك: ضرب زيدا عبد الله، ثم قال: كأنّهم يقدّمون .. إلى آخره (. وليس هذا محلّ النزاع، لأنّ الكلام في تقديم المعمول على العامل، لا في تقديمه على الفاعل.
وذكره في (باب ما يكون فيه الاسم مبنيّا على الفعل) (٢)، قال: (وذلك قولك: زيدا ضربت، فالاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير سواء مثله في: ضرب زيد عمرا، وضرب زيدا عمرو). فهذا وإن كان محلّ النزاع فلا حجّة فيه لأنّه إنّما ذكره من الجهة التي شابه بها تقديم الفاعل على المفعول أو العكس في المثالين (٤ ب) وليس فيه من هذه الجملة إلّا الاهتمام ولا ينفي ذلك الجهة التي اختصّ بها إذا تقدّم على الفاعل، وهي الحصر (٣).
واختلف في حذف الفعل، فقيل: للتخفيف. وقال السّهيليّ (٤): (لأنّه موطن لا
ينبغي أن يقدّم فيه إلّا ذكر الله [تعالى]، فلو (٥) ذكر الفعل وهو لا يستغني عن فاعله لم يكن ذكر الله مقدّما وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى، كما تقول في الصّلاة: الله أكبر، ومعناه: من كلّ شيء، ولكن يحذف ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود القلب وهو أن لا يكون في القلب إلّا ذكر الله).
وردّ الأول بأنّه لو كان للتخفيف لجاز إظهاره وإضماره لكلّ (٦) ما يحذف تخفيفا.
قلت: قوله: لأنّه موطن لا ينبغي أن يقدّم فيه إلّا ذكر الله، لا
_________
(١) الكتاب ١/ ١٤ - ١٥.
(٢) الكتاب ١/ ٤١.
(٣) هنا ينتهي السقط في د، والذي بدأ من: قلت: هذا موضع ...
(٤) نتائج الفكر ٥٥.
(٥) من د. وفي الأصل: فلولا.
(٦) د: لا يكون في القلب ذكر إلّا الله.
1 / 26