বায়ান ম্যাগাজিন
مجلة البيان
জনগুলি
إنما يجيء من تقسيم التاريخ إلى عصور متباينة اتباعًا ومساوقة لكتاب الأوربيين في وضع آدابهم مع أن بين الصنفين فروقًا طبيعية واضحة. قال الرافعي بعد أن بسط هذا المعنى بسطًا شافيًا: إذا تدبرت هذا وأنعمت على تأمله علمت السبب في حشو مانراه من كتب الأدبيات التي ترتب على العصور بالطم والرم من تاريخ العلوم الدينية والدنيوية وبالتراجم الكثيرة التي تخرج بشطر الكتاب إلى أن يكون سجل وفيات ثم بتعداد الكتب والمؤلفات التي تلحق شطره الآخر بكتب الفهرست. ومؤلفوا هذه الكتب لا يدرون أنهم مرغمون على ذلك بحكم هذه الطريقة العقيمة التي تتبنى ولا تلد إذ ليس في تفتيش هذه القبور عن بقايا الحياة إلا العظام ومن يرجع إلى ورائه لا يقطع شيئًا إلا الأمام.
ثم هم يجهلون أن لتاريخ كل أمة تباين غيرها مباينة طبيعية مزاجًا معنويًا تتعلق به حوادثها كما تتعلق أخلاق الفرد بنوع مزاجه الفطري ومن أين يكون للعصبي في أبواب التحمل والأناة والسعة والخفض ما يكون لذي المزاج الليمفاوي مثلًا. فأيما أمرؤ أجرى على الاثنين حكمًا واحدًا ظلمهما كليهما وكذلك الأمر في أمزجة التاريخ.
وأنت خبير بأن الرجال في تاريخ الآداب الأوروبية هم قطعه التي يتألف منها لأنهم متصرفون في اللغة كأنها إنما توضع لعهدهم أوضاعًا جديدة فكل رجل منهم في طريقته ومذهبه فن علم أو هو على الحقيقة قطعة متميزة في تركيب التاريخ العقلي. ولكن الرجال عندنا في قياسهم بأولئك ينزلون منزلة التشبيهات من المعاني الأصلية إلا ماندر ولا حكم للنادر وذلك لأن في لغتنا معنى دينيًا هو سرها وحقيقتها فلا نجد من رجل روى أو صنف أو أملي في فن من فنون الآداب أول عهدهم بذلك إلا خدمة للقرآن الكريم ثم استقلت الفنون بعد ذلك وبقى أثر هذا المعنى في فواتح الكتب والقرآن نفسه حادثة أدبية من المعجزات الحقيقية التي لا شبهة فيها وإن لم يفهم سر ذلك من لا يفهمونه أفيصلح بعد هذا أن يكون تاريخ الأدب العربي مبنيًا على غير حوادثه التي كونته وتعلق بأكثرها رجاله دون أن تتعلق بهم كما هو الشأن في سواه انتهى كلام الرافعي.
وهذه هي الحقيقة بعينها فإن تطور التاريخ الأدبي لا يكون من تطور الدول واختلافها كما يقال الدولة الأموية والعباسية مثلًا وإنما يكون من تطور الشعوب والجماعات في أخلاقها وعاداتها وهو انقلاب لا يكون من تأثير الدولة وحدها ولكن من تأثير العلماء والأدباء
4 / 75