الله ﷺ ضرع الشاة وظهرها فحلب في الإناء، وكان إناء يفي رهطًا فشرب من لبنها وسقى أصحابه، ثم حلب في الإناء أيضًا وتركه عندها، واستمرت البركة في تلك الشاة ببركتة ﷺ ومن نسلها ما هو باق إلى زماننا هذا.
وأما زوجها قال السهيلي: لا يعرف اسمه وقد ورد بأن اسمه: أكتم بن أبي الجون، فإنه جاء من المرعى وقت المساء، بعد أن سافر رسول الله ﷺ فرأى عندها لبنًا في الإناء فقال لها: من أين هذا ولا حلوب عندك؟ قالت: يا أبا معبد مر بنا رجل ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد، يخلو الشعر في عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما، وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل لا نزر، ولا هذر، أجهر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنوؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود، محشود لا عابث ولا مفند، قال هذه والله صفة صاحب قريش، ولو رأيته لاتبعته ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلًا، ثم هاجرت بعد ذلك هي وزوجها فأسلما وكان أهلها يفرحون بنزول الرجل المبارك (١) .
ثم لما فارق رسول الله ﷺ أم معبد وكان كفار مكة قد جعلوا لمن يقتل أو يأسر رسول الله ﷺ وأبا بكر دية كل واحد منهما، فبلغ ذلك سراقة بن مالك بن جعشم، وكذا قد بلغه أن رسول الله ﷺ وأصحابه ساروا على طريق السواحل،