أحوال الصائمين في نهارهم وليلهم
المسلم -عباد الله- في نهار رمضان ملتزم بأخلاق الصيام، كما قال النبي ﷺ: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم) فهو يتشبه بالمحسنين الذين يدرءون بالحسنة السيئة، فلا يجهل على الجاهل بمثل جهله، ولا يسفه على السفيه بمثل سفهه، (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم) يتدرب على أخلاق المحسنين؛ لأن أخلاق الصائم هي أخلاق المحسنين، فإذا أتى الليل فهو فيه طاعم شاكر كما كان في النهار صائمًا صابرًا، وكما ترك الطعام والشراب والشهوة لله ﷿ في نهار هذا الشهر فإنه إذا أقبل عليه الليل يبادر بالإفطار، لأن أحب عباد الله ﷿ إليه أعجلهم فطرًا، فيبادر بالإفطار طاعة لله ﷿، ويفرح عند فطره؛ لأنه وفِّق لصيام هذا اليوم، ولأنه أتم العبادة كما أحبها الله ﷿، فيفرح شرعًا ويفرح طبعًا، لأن العبد الذي منع من شيء تميل النفس إليه ثم رُخِّص له فيه وأُذِن له فيه يفرح بذلك بطبيعة الحال.
فللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، عندما يرى أجر الصيام مدخورًا موفورًا عند الله ﷿.
فإذا كان الليل فلا يجلس المسلم أمام الأجهزة الخبيثة ولا يتمتع بالشهوات المحرمة، بل كما شُغل في النهار بالصيام فإنه يُشغل في الليل بالقيام، قال النبي ﷺ: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه) فالمسلم في النهار صائم صابر، وفي الليل طاعم شاكر، فهو ينتقل من طاعة إلى طاعة، من عبادة إلى عبادة، ومن سعادة إلى سعادة، وجزاء الحسنة الحسنة بعدها، وهذا أمر من الأمور التربوية، فينبغي للعبد أن يُشغل نفسه دائمًا بالطاعات، وألا يترك لنفسه فرصة لأن تعصي الله ﷿، فإذا كان العبد مشغولًا بطاعة الله ﷿ فلن يكون محلًا للوساوس، وإذا غفل القلب ساعة عن ذكر الله ﷿ جثم عليه الشيطان، وأخذ يعده ويمنيه، فرمضان تدريب على الطاعة ودخول في عبادة الله ﷿، وتدرب على أخلاق الصالحين والمحسنين.
والصالحون عباد الله يقومون السنة كلها، كما قال النبي ﷺ: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد) فالصالحون يقومون السنة كلها، ونحن نتدرب في هذا الشهر الكريم على أخلاق الصالحين، فنقوم شهرًا كاملًا لعل الشهر ينسلخ وقد صرنا من الصالحين الذين يقومون طوال السنة، كما قال الله ﷿: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:٩].
11 / 5