ولم يعشه عنها سواطع أنوار
رأى حكمة قدسية لا يشوبها
شوائب أنظار وأدناس أفكار
بإشراقها كل العوالم أشرقت
لما لاح في الكونين من نورها الساري ... إلخ
وقد شرح القصيدة في آخر كتابه الكشكول. وقد أحاطوا الفكرة بفكرة أخرى وهي فكرة قدرة المهدي على الإخبار والتنبؤ بالأحداث ، وهذا باب عظيم من أبواب الشيعة، فهم يزعمون أن الإمام عليا ترك كتابا صغيرا فيه ما كان وما يكون، وأن الأئمة من بعده اعتمدوا عليه وسموه «الجفر» والجفر «ما بلغ من الإبل أربعة أشهر، الذكر جفر والأنثى جفرة، وهو الذي حرفناه إلى الشفرة ومعناه الجلد الصغير»، وكانت العادة في أيامهم أن يكتبوا على الجلد، فسموا الكتاب جفرا وأحيانا يسمونه «جفر المسك» والمسك هو الجلد.
وللشيعة في ذلك أخبار طوال فقد ادعوا أن فيه أسماء من يلي الأمور، وما ينالها من أحداث وأحيانا يذكرون ملحمة من الملاحم فيها أخبار الدنيا، وأحيانا أخبار دولة من الدول يذكرون فيه ما يحدث في الماضي، وهو صحيح عادة وما سيحدث في المستقبل، وهو غيب مجهول، وسيأتي بعض أمثلة على استخدامهم هذا الجفر لإيهام الناس بغلبتهم حتى ينضموا إليهم.
فلما نجح الفاطميون في تأسيس دولتهم شجع هذا النجاح غيرهم على أن يقلدوهم، كلما أرادوا ثورة وأحسوا مظلمة، وكان انتشار المهدية في بلاد المغرب أكثر منها في بلاد الشرق لأسباب: منها أن المهرة المكرة أشاعوا حديثا يومئ إلى المهدي المنتظر مراكشي، ومنها أن المغاربة معروفون من قديم من أيام الكاهنة بالميل إلى الغيبيات والتأثر بها.
ومن فضل الشيعة أنهم كانوا في بعض مواقفهم، وفي اعتقادهم بالأئمة المهتدين يؤيدون الدين، ويردون على الذين يعتقدون بسلطان العقل وحده، ومن الأمثلة على ذلك ما كان من المناظرات بين أبي حاتم الرازي وأبي بكر الرازي، فأبو حاتم الرازي المتوفى سنة 322 كان من كبار دعاة الإسماعيلية، واشتهر بدعوته إلى المذهب الفاطمي، ولعب دورا عظيما في الشئون السياسية، وفي أذربيجان وفي الديلم حتى استجاب له جماعة من كبار الدولة، فقد رد على أبي بكر الرازي وكان ملحدا يؤمن بسلطان العقل وحده وينكر النبوة، فرد عليه أبو حاتم الرازي في جملة مناظرات في نقد كلامه، وإثبات الأدلة على النبوة، فالظاهر أنه كان هناك دعوة إلحادية تنكر النبوة، ومن أتباعها الرازي هذا صاحب كتاب الطب الروحاني وغيره من رسائل، وربما كان من معتنقي هذا المذهب أيضا ابن الراوندي وغيره، وقامت طائفة تؤلف كثيرا في دلائل النبوة ردا عليه.
فكان الشيعيون من الذين يؤيدون نظرية الدين، وقد يبالغون فيها بدعواهم الأئمة وعصمتهم، وربما كان أيضا جهر المعري بسلطان العقل في كثير من شعر اللزوميات، تبعا لأمثال محمد بن زكريا الرازي دعاه إلى ذلك مغالاة الشيعة في دعوة الأئمة، فكان أمامه مناظرات أبي حاتم الرازي مع أبي بكر الرازي، وهذه المناظرات منشورة في الرسائل الفلسفية التي جمعها الأستاذ كراوس، ومما ذكره أبو حاتم الرازي في أول المناظرات قوله: «فما جرى بيني وبين الملحد أنه ناظرني في أمر النبوة، فقال: «من أين أوجبتم أن الله اختص قوما بالنبوة دون قوم، وفضلهم على الناس وجعلهم أذلة لهم، وأحوج الناس إليهم، ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يحتار لهم ذلك، ويؤكد بينهم العداوات ويكبر المحاربات ويهلك بذلك الناس، فرد عليه بأن الحكيم فعل ذلك رحمة بالناس، فالناس مع اختلاف عقولهم لا يمكن أن يستغنوا عمن يرشدهم، ويهديهم من الأنبياء والأئمة والعلماء إلخ ...». فنرى من هذا أنه كان هناك حركة عنيفة بين الملحدين الذين ينكرون النبوة، والمؤمنين الذين يعتقدون بها، ومن فضل الشيعة أنهم كانوا مؤمنين يدافعون عن الإسلام في الخارج ضد الصليبيين الذين يهجمون على بلادهم، وفي الداخل يصد من أنكروا الدين وجحدوا النبوة.
অজানা পৃষ্ঠা