133

أو تقسيم دلالتها ، أو المعاني المدلول عليها ، إن استعمل لفظ الحقيقة والمجاز في المدلول أو في الدالة ، فإن هذا كله قد يقع في كلام المتأخرين. ولكن المشهور أن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ. وبكل حال ، فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة. لم يتكلم به أحد من الصحابة ، ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم : كمالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة والشافعي ، بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو : كالخليل ، وسيبويه ، وأبي عمرو بن العلاء ... ونحوهم.

وأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز ، أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه. ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة ، وإنما عنى ، بمجاز الآية ، بما يعبر به عن الآية. ولهذا ، قال : من قال من الأصوليين كأبي الحسين البصري وأمثاله : إنه يعرف الحقيقة من المجاز بطرق : منها نص أهل اللغة على ذلك ، بأن يقولوا : هذا حقيقة وهذا مجاز فقد تكلم بلا علم. فإنه ظن أن أهل اللغة قالوا هذا. ولم يقل ذلك أحد من أهل اللغة ولا من سلف الأمة وعلمائها. وإنما هذا اصطلاح حادث ، والغالب أنه كان من جهة المعتزلة ونحوهم من المتكلمين. فإنه لم يوجد هذا في كلام أحد من أهل الفقه والأصول والتفسير والحديث ونحوهم من السلف. وهذا الشافعي هو أول من جرد الكلام في أصول الفقه ، ولم يقسم هذا التقسيم ، ولا تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز. وكذلك محمد بن الحسن له في المسائل المبنية على العربية كلام معروف في الجامع الكبير وغيره ، ولم يتكلم بلفظ الحقيقة ، والمجاز. وكذلك سائر الأئمة لم يوجد لفظ المجاز في كلام أحد منهم إلا في كلام أحمد بن حنبل ، فإنه قال في كتاب «الرد على الجهمية» في قوله : إنا ، ونحن ، ونحو ذلك في القرآن : هذا من مجاز اللغة. يقول الرجل : إنا سنعطيك ، إنا سنفعل ، فذكر أن هذا من مجاز اللغة. وبهذا احتج على مذهبه من أصحابه من قال : إن في القرآن مجازا : كالقاضي أبي يعلى ، وابن عقيل ، وأبي الخطاب ، وغيرهم. وآخرون من أصحابه منعوا أن يكون في القرآن مجاز : كأبي الحسن الجزري ، وأبي عبد الله بن حامد ، وأبي الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي. وكذلك منع أن يكون في القرآن مجاز ، محمد بن جرير مندار وغيره من المالكية ، ومنع منه داود بن علي ، وابنه أبو بكر ، ومنذر بن سعيد البلوطي وصنف فيه مصنفا. وحكى بعض الناس عن أحمد في ذلك روايتين. وأما سائر الأئمة فلم يقل أحد منهم ، ولا من قدماء أصحاب أحمد : إن في القرآن مجازا لا مالك ولا الشافعي ولا أبو حنيفة. فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجا

পৃষ্ঠা ১৩৬