قال أبو معشر: حدثنا رجل قال: خرج علينا يزيد بعد العتمة ومعه شمعتان، شمعة عن يمينه وشمعة عن يساره، وعليه معصفرتان كأنهما قطرتا دم وإزار ورداء وقد نفش جمّته كأنها برسٌ فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أهل الشام فإنه كتب إلي عثمان بن محمد بن أبي سفيان أن أهل المدينة أخرجوا قومنا من المدينة، ووالله لأن تقع الخضراء على الغبراء أحب إلي من هذا. قال: وكان معاوية أوصى يزيد: إن رابك من قومك ريب أو انتقض عليك منهم أحد فعليك بأعور بني مرة فاستشره، يعني مسلم بن عقبة. فلما كان تلك الليلة قال: أين مسلم بن عقبة؟ فقام فقال: ها أنا ذا، قال: كن معي. فجعل يزيد يعبّي الجيوش، وكان ابن سنان نازلًا على مسلم، فقال له: إن أمير المؤمنين قد بعثني إلى المدينة ومكة. قال: استعفه. قال: فاركب فيلًا أو فيلة وتكنّ أبا يكسوم. فمرض مسلم قبل خروجه من الشام، فدخل عليه يزيد بن معاوية فقال: قد كنت وجهتك لهذا البعث وأراك مُدنفًا؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنشدك الله أن تحرمني أجرًا ساقه الله إلي، إنما هو أمر خفيف وليس علي من بأس! قال: فلم يطق من الوجع أن يركب بعيرًا ولا دابة، قال: فوضع على سرير وحمله الرجال على أعناقهم حتى جاؤوا به مكانًا يقال له البتراء، فأراد النزول به، فقال: ما اسم هذا المكان؟ قيل: البتراء. قال لا تنزلوا به. فنزلوا بقهر ثم ارتحلوا حتى نزلوا الحرّة، فأرسل إلى أهل المدينة أن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول: أنتم الأصل والعشيرة فاتقوا الله واسمعوا وأطيعوا فإن لكم في عهد الله وميثاقه عطاءين في كل سنة: عطاء في الشتاء وعطاء في الصيف، ولكم عندي في عهد الله أن أجعل سعر الحنطة عندكم سعر الخَبَط، والخبط يومئذ سبعة أصوع بدرهم. فقالوا: نخلعه كما نخلع عمائمنا ونعالنا. فقاتلهم فهزمهم وقتل عبد الله بن حنظلة وابن حزم وبضعة عشر رجلًا من الوجوه وتسعون رجلًا من قريش وبضعة وسبعون رجلًا من الأنصار، وقتل من سائر الناس نحو أربعة آلاف رجل، وقتل ابنان لعبد الله بن جعفر، وقتل أربعة من ولد زيد بن ثابت، وقال مسلم لعبد الله بن جعفر: اخرج عن المدينة لا يقع بصري عليك. وأنهب المدينة ثلاثًا، فقتل الناس وضجّت النساء وذهبت الأموال، فلما فرغ مسلم من القتال انتقل إلى قصر ابن عامر فدعا أهل المدينة ليبايعوه، وكان ناس منهم قد تحصنوا في عرصة سعيد، منهم: محمد بن أبي جهم ونفر معه، فدعاهم للبيعة، فقال: تبايعون لعبد الله يزيد أمير المؤمنين على أنكم خَوَله مما أفاء الله عليه بأسياف المسلمين إن شاء وهب وإن شاء أعتق وإن شاء استرقّ؟ فبايعه ناس منهم على ذلك، وجاء عمرو بن عثمان بيزيد بن عبد الله بن زمعة، وجدته أم سلمة زوج النبي، ﷺ، وكان عمرو بن عثمان قال لأم سلمة: أرسلي معي ابن ابنتك ولك مني عهد الله وميثاقه أن أردّه إليك كما أخذته منك، فجاء به إلى مسلم فجلس عمرو بن عثمان على طرف سريره، فلما تقدم يزيد بن عبد الله قال: تبايع ليزيد أمير المؤمنين على أنك من خوَلِه مما أفاء الله عليه بأسياف المسلمين إن شاء وهب وإن شاء أعتق وإن شاء استرق؟ فقال: لا. أنا أقرب إلى أمير المؤمنين منك. فقال: والله لا أستقيلها منك أبدًا! فقال عمرو بن عثمان: أنشدك الله! فإني أخذته من أم سلمة بعهد الله وميثاقه أن أردّه إليها، قال: فركله ورمى به من فوق السرير فقال: لو قلتها ما أقلتك. فقتل يزيد بن عبد الله، ثم أتي بمحمد بن أبي جهم فقال له: أنت القائل اقتلوا سبعة عشر من بني أمية لا تروا شرًا أبدًا؟ قال: قد قلتها ولكن لا يطاع لقصير أمر، أرسل يدي من غلّي وقد برئت مني الذمة. قال: لا حتى أقدّمك إلى النار. فضرب عنقه، ثم جاؤوه بمعقل بن سنان وكان جالسًا في بيته فأتاه مائة رجل من قومه فقالوا: اذهب بنا إلى الأمير حتى نبايعه. فقال: إني قد قلت له كلمة وإني أتخوفه. قالوا: لا والله لا يصل إليك أبدًا. فلما بلغوا الباب أدخلوا معقلًا وغلّقوا الباب، فلما نظر إليه مسلم قال: إني أرى الشيخ قد لغب، اسقوه من الثلج الذي زودنيه أمير المؤمنين. قال: فخاضوا له ثلجًا بعسل فشربه. وقال: أشربت؟ قال: نعم. قال: والله لا تبوله من مثانتك أبدًا. أنت القائل اركب فيلًا أو فيلة وتكنّ أبا يكسوم؟ قال: أما والله لقد تخوفت ذلك منك ولكن
1 / 30