69
ليقع من نفسي المحزونة موقع الماء من الأرض المجدبة. انعمي بما أنت فيه، وأنتظري أن يقدر الله لك خيرًا منه. فلو قد صرفت عني هذه القوة العاتية الطاغية لأريتك يا سمراء كيف تطيب الحياة، وكيف ترق حواشي العيش. وأوى الفتى إلى مضجعه راضيًا مسرورًا، واستقبل النوم مبتهجا له راغبًا فيه، ولكن هذا الشخص يقدم عليه ساعيا في هدوء، كأنما يمشي في الهواء، حتى إذا دنا منه انحنى عليه، ووضع على جبهته يدًا باردة خفيفة، وقال في صوت رفيق غريب، فيه أنس وفيه وحشة. احفر زمزم. واضطرب جسم الفتى كله واضطربت نفس الفتى كلها وأنفتحت شفتاه عن هذه الكلمة: وما زمزم؟ قال الطيف بصوت رفيق مؤنس، قد فارقته الغرابة والوحشة ومازجته سخرية ورحمة. (لا تُنْزَح ولا تذَم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم) قال الفتى: (الآن قد وعيت) فتولى عنه الطيف باسما وهو يقول: (الله أنتم أيها الناس لا يكفيكم الوحي، ولا تفقهون إلا سجع الكهان. رويدًا عما قريب سيضئ الصبح) ونهض الفتى مبتهجًا مسرورا. فلما أصبح دخل على سمراء مشرق الوجه مضيء الأسارير. قالت وهي تسعى إليه: أيهما أحب إلى نفسي إشراق وجهك أم إشراق الشمس؟ ما أرى إلا أنك قضيت ليلا هادئا. قال: أنعمي صباحا يا سمراء لقد طابت الحياة منذ اليوم، أن هذا الطائف الذي يلم بي منذ ليالي، طائف خير يأتي بالنعمة والغيث، انه يأمرني أن إحتفر في فناء المسجد بئرا، فلأفعلن منذ اليوم، ولئن ظفرت بها ليشربن الحجيج في غير جهد ولا عسر. هلم يا حارث خذ معولا ومكتلا ومسحاةً واتبع أباك. ويتبعنه الماء إلى عرفات. .

1 / 69