وكما أن الحياة الجائشة تحير العقل الغر فتختلط عليه شئونها اختلاطا شديدا حتى يتاح له أن يتدرب على خشونتها، ويستأنس بدقائقها من طريق التألم والتأمل والتفهم، فيقدر أن يطوح ببصره إلى الحوادث التي وقعت له حياته فتنتسق فصولها كلها، أو بعضها بين يديه، كذلك يحسن بمن يقف على هذه المسرحية - المبهمة معالمها أول الأمر - أن يتدبر نواحيها من بعد الوقوف عليها، مستضيئا باللاحق ليبصر السابق.
والذي يزيد في إبهام معالم هذه المسرحية أنها تجمع في ألفاظ معدودة طائفة من الآراء، والتأثرات صبها الزمان في قوالبها، وكل شيء لاحق بعالم الفكر طال عهد نشأته، واستوائه لا ينقاد للذهن دفعة ، بل على الذهن أن يتأتى له يستشفه، وفي ذلك من اللذة ما فيه، وعندي أنه قد حان الزمن الذي فيه أصبح الإيجاز، والإيماء في الإنشاء الرفيع أحب إلى القارئ العربي المهذب من التطويل والتذييل، حتى إذا رجع القارئ عن الحس الظاهر إلى الحس الباطن تجلى له ما وراء السطور، فتدرك بذلك غاية الأدب العالي، ومدارها أن يجعل المنشئ القارئ يشاطره فنه.
وأما لغة المسرحية فقد أردتها سهلة؛ لأنه من العسف أن يغرب المؤلف، أو يتكلف الصياغة ابتغاء التهويل، ولا سيما إذا ألف للمسرح؛ ذلك أن المسرح إنما هو منقل ألوان الحياة، والحياة الحق طفل يلهو، وما يدري أنه لاه، وزهرة تضوع، وتعجب لمن يستروح شذاها، ونهر يهدر ولا يطرب لترنيمه، وليس في هذه التعابير كلها تصنع ولا استكراه، ثم إن الذي أميل إليه أنه كلما بعد غور التفكير فشطت المعاني ونزع الأسلوب إلى الإيهام والتلويح، بحيث ينبسط على الكلام ظل لطيف، جدر الأداء أن يلتزم السلاسة والوضوح، على أن تنزه الكتابة عن المبتذلات عن تلك التراكيب المطروقة المطروقة حتى صارت وساوس ينصبها الأدب اليابس في وجه استقلال القلم، فتمنع الإنشاء أن يدل على صاحبه دلالة حافلة، ثم على أن يتخير اللفظ محاذرة أن يزوغ مدلوله عن المعنى المقصود فتهزل الفكرة، وأن تهذب العبارة؛ لئلا تسقط إلى الركاكة فيسمج الأدب.
القاهرة، ديسمبر 1937م
إلى نشأة المسرح المصري
ب. ف (1) تبيين
المسرح
في مفرق الطريق؛ أي حيث ينفرج يمينا منارا وصاعدا، ويسارا مظلما ومنحدرا، يلتقي العقل والشعور، فيتجاذبان المرء ولكل منهما حظه من القوة والغلبة، وأما الجانب المظلم فحيث يقهر الشعور العقل فينحدر المرء، وقد عمي رشده إلى غاية تحترق عندها النفس، وأما الجانب المنار فحيث يصرع العقل الشعور فيسلك المرء في صعود مثلوجة يحيا عندها بنجوة من الاحتراق، يحيا كمثل شجرة شظف عودها وجف ورقها وذوى زهرها، على ما هو مبين في رسم الغلاف.
الأشخاص
سميرة:
অজানা পৃষ্ঠা