مفاتيح الغيب
مفاتيح الغيب
প্রকাশক
دار إحياء التراث العربي
সংস্করণের সংখ্যা
الثالثة
প্রকাশনার বছর
١٤٢٠ هـ
প্রকাশনার স্থান
بيروت
জনগুলি
তাফসির
الرَّجِيمِ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا حَاجَةَ فِي هَذَا الذِّكْرِ إِلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ، بَلِ الْإِنْسَانُ إِذَا جَوَّزَ كَوْنَ الْأَمْرِ كَذَلِكَ حَسُنَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ ﵇ عَابَ أَبَاهُ فِي قَوْلِهِ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا
[مَرْيَمَ: ٤٢] فَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِلَهُ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ كَانَ سُؤَالُهُ سُؤَالًا لِمَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ مَا جَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ ﵇ عَيْبًا عَلَى أَبِيهِ، وَأَمَّا عِلْمُ الْعَبْدِ بِحَالِ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَعْلَمَ عَجْزَهُ وَقُصُورَهُ عَنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ نَفْسِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَيْضًا أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَعْلَمَ تِلْكَ الْمَصَالِحَ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهَا عِنْدَ عَدَمِهَا وَلَا إِبْقَاؤُهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ إِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَصَارَ مُشَاهِدًا لَهَا مُتَيَقِّنًا فيها وجب أن يحصل في قلب تلك الجالة الْمُسَمَّاةُ بِالِانْكِسَارِ وَالْخُضُوعِ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ فِي قَلْبِهِ الطَّلَبُ، وَفِي لِسَانِهِ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ الطَّلَبِ، وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْإِنْسَانِ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِ نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنَّ الصَّادِرَ عَنِ الْإِنْسَانِ إِمَّا الْعَمَلُ وَإِمَّا الْعِلْمُ، وَهُوَ فِي كِلَا الْبَابَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فِي غَايَةِ الْعَجْزِ، أَمَّا الْعِلْمُ فَمَا أَشَدَّ الْحَاجَةَ فِي تَحْصِيلِهِ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ، وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنْ حُصُولِ ضِدِّهِ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: - الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّا كَمْ رَأَيْنَا مِنَ الْأَكْيَاسِ الْمُحَقِّقِينَ بَقُوا فِي شُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ طُولَ عُمُرِهِمْ، وَلَمْ يَعْرِفُوا الْجَوَابَ عَنْهَا، بَلْ أَصَرُّوا عَلَيْهَا وَظَنُّوهَا عِلْمًا يَقِينِيًّا وَبُرْهَانًا جَلِيًّا، ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَعْمَارِهِمْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مَنْ تَنَبَّهَ لِوَجْهِ الْغَلَطِ فِيهَا وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ وَجْهَ فَسَادِهَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ جَازَ عَلَى الْكُلِّ مِثْلُهُ، وَلَوْلَا هَذَا السَّبَبُ لَمَا وَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافٌ فِي الْأَدْيَانِ وَالْمَذَاهِبِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَوْلَا إِعَانَةُ اللَّهِ وَفَضْلُهُ وَإِرْشَادُهُ وَإِلَّا فَمَنْ ذَا الَّذِي يَتَخَلَّصُ بِسَفِينَةِ فِكْرِهِ مِنْ أَمْوَاجِ الضَّلَالَاتِ وَدَيَاجِي الظُّلُمَاتِ؟.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الدِّينُ الْحَقُّ وَالِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِالْجَهْلِ وَالْكُفْرِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِحَسَبِ سَعْيِهِ وَإِرَادَتِهِ لَوَجَبَ كَوْنُ الْكُلِّ مُحِقِّينَ صَادِقِينَ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ نَجِدُ الْمُحِقِّينَ فِي جَنْبِ الْمُبْطِلِينَ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا خَلَاصَ مِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ إِلَّا بِإِعَانَةِ إِلَهِ الأرض والسموات.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْقَضِيَّةَ الَّتِي تَوَقَّفَ الْإِنْسَانُ فِي صِحَّتِهَا وَفَسَادِهَا فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْجَزْمِ بِهَا إِلَّا إِذَا دَخَلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا الْحَدُّ الْأَوْسَطُ فَنَقُولُ: ذَلِكَ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ إِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي عَقْلِهِ كَانَ الْقِيَاسُ مُنْعَقِدًا وَالنَّتِيجَةُ لَازِمَةً. فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْعَقْلُ مُتَوَقِّفًا فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بَلْ يَكُونُ جَازِمًا بِهَا، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ مُتَوَقِّفًا فِيهَا، هَذَا خُلْفٌ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ غَيْرُ حَاضِرٍ فِي عَقْلِهِ فَهَلْ يُمْكِنُهُ طَلَبُهُ؟ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ طَلَبُهُ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ يَطْلُبُهُ؟ لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ إِنَّمَا يُمْكِنُ بَعْدَ الشُّعُورِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ فَالْعِلْمُ بِهِ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَكَيْفَ يَطْلُبُ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ؟ وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ طَلَبُهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ الطَّرِيقِ الَّذِي يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ التَّوَقُّفِ وَيَخْرُجُ مِنْ ظُلْمَةِ تِلْكَ الْحَيْرَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ فِي غَايَةِ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِرَسُولِهِ ﵊: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٧] فَهَذِهِ الِاسْتِعَاذَةُ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَهَذَا بَيَانُ كَمَالِ عَجْزِ الْعَبْدِ عَنْ تَحْصِيلِ الْعَقَائِدِ وَالْعُلُومِ، وَأَمَّا عَجْزُ الْعَبْدِ عَنِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَجُرُّ بِهَا النَّفْعَ إِلَى نَفْسِهِ وَيَدْفَعُ بِهَا الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَا أَيْضًا كَذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَدِ انْكَشَفَ لِأَرْبَابِ الْبَصَائِرِ أَنَّ هَذَا الْبَدَنَ يُشْبِهُ الْجَحِيمَ وَانْكَشَفَ
1 / 72