মাদিনা ফাদিলা
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
জনগুলি
1
ولد مؤلف هذا الكتاب، كارل لوتس بيكر، في ريف ولاية آيوا من الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1873، لأبوين ينتسبان لأصول مختلفة، ألمانية وهولندية وإرلندية وإنجليزية، وحدث لأجداده ما حدث لأمثالهم في تاريخ الولايات المتحدة، فتطور الغرباء المستوطنون مواطنين أمريكيين، ونشأ كارل بيكر لا يعرف في حداثته إلا أمريكا والأمريكيين، ويحكي عن نفسه كيف نزل قريته - وهو في الخامسة من عمره - مهاجرون من الألمان لا يعرفون إلا لغتهم، وكيف استغرب هيئتهم ولسانهم، ولم يدر إذ ذاك أن جد أبيه كان أيضا غريبا كهؤلاء، لا يعرف من الإنجليزية كلمة واحدة!
وتلقى بيكر دراسته الجامعية في جامعة ويسكنسين، وتتلمذ فيها على الأستاذ فردريك جاكسون ترنر، وكان للأستاذ ترنر أثر كبير في بيكر، وترنر صاحب النظرية المشهورة في تأويل خصائص التاريخ الأمريكي، بما سماه «أثر الحدود»، ويقصد بذلك أن ذلك التاريخ كان تاريخ شعب في تكوين مستمر بموجب الهجرة، وفي حركة مستمرة بموجب الهجرة الداخلية من أرض عامرة قديمة إلى أرض جديدة تستعمر، فكأن الشعب يقيم أبدا على الهامش، على حافة رقعة من الأرض، في اتساع متواصل على «الحدود»، واكتسب الشعب بذلك خصائص المستعمرين والمغامرين، خيرها وشرها.
2
تأثر التلميذ بأستاذه تأثرا عميقا، فتبعه في سعة أفقه، وتبعه في البساطة، وكره المظاهر، ونزاهة القصد، وصراحة القول، والاعتدال. ولا أجد للتعبير عن رأي بيكر في أثر ترنر فيه خيرا من قوله: «إني لا أطلب من المؤرخ أكثر من أن يكون قد عمل في تكوين شخصية المشتغلين بالدراسات الإنسانية.»
3
وأضاف بيكر إلى دراسة التاريخ دراسة القانون الدستوري في جامعة كولومبيا، ويرجع ذلك إلى أنه اتجه في أول ما اتجه للفصول الأولى من الثورة الأمريكية، فاختار لرسالته للدكتوراه موضوع «الأحزاب السياسية في ولاية نيويورك من 1766 إلى 1775»، ونشر في مستوى هذه الرسالة كتابه القيم في «وثيقة إعلان الاستقلال»، درس فيه المبادئ السياسية التي استند إليها الإعلان، هذا إلى مقالات قصيرة متنوعة حول ذلك العهد من التاريخ، من أبدعها مقالته التي سماها «خصائص سنة 1776»
4
وإلى دراسات أخرى لا داعي لذكرها.
والمؤرخ الذي يتجه نحو مبادئ الثورة الأمريكية لا بد له أن يتعمق في فلسفة القرن الثامن عشر، فما الثورة الأمريكية - مع ما كان لها من الظروف الخاصة بها - إلا جزء من حركة القرن الثامن عشر، أو من حركة الاستنارة، فاتجه بيكر للقرن الثامن عشر، وأخلص للقرن الثامن عشر مدى حياته، ولكن لا ينبغي أن يفهم من هذا ما يفهمه الناس عادة من التخصص الضيق على النحو الذي يؤثر في وقتنا الحاضر، لا عن دراسات العلم الطبيعي فحسب، بل عن الدراسات الإنسانية أيضا، فإن بيكر حينما اتجه لعصر الاستنارة، وأحب أن يعين للعصر مكانا في تاريخ الفكر الإنساني، تعمق درس ما سبقه وما لحقه، وآثار هذا التعمق جلية في الكتاب الذي نقدمه للقراء.
অজানা পৃষ্ঠা