মাদিনা ফাদিলা
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
জনগুলি
وهاكم جاليليو
12
مثلا لم يبحث عما ذكره أرسطوطاليس عن سقوط الأجسام، ولم يسأل: هل من المعقول أن جسما زنته عشرة أرطال يكون في هبوطه للأرض أسرع من جسم زنته رطل واحد؟ لم يسأل جاليليو عما قال أرسطوطاليس في هذا الموضوع، بل عمد إلى تطبيق المنهج العلمي، فألقى من أعلى برج مائل بجسمين نسبة وزن أحدهما لوزن الآخر نسبة عشرة إلى واحد، ولاحظ أنهما يصلان إلى الأرض في وقت واحد، واستنتج من ذلك حكما عن سقوط الأجسام في عالم مثل عالمنا هذا، وإذا ما اعترض معترض بأن الحكم لا يصدق على عالم عاقل ما اهتم جاليليو بالاعتراض ولقال: فليكن عالمنا إذن غير عاقل، فالحقائق هي الأصل، وهي التي تهمنا أكثر من أي شيء آخر، وهي صلبة لا تخضع ولا نستطيع أن نتجنبها، وقد تتفق مع المعقول، وإنا لنرجو ذلك، ولكن كونها تتفق أو لا تتفق فهذا أيضا موضوع تحر وتحقيق، شأنها شأن أي موضوع آخر، وقد ذكرت لكم جاليليو مثلا لا على اعتبار أنه أول من سلك هذا المسلك، فهو لم يكن فعلا أولهم.
وهذا التحول الدقيق في كيفية النظر إلى الأشياء الذي مثلنا له بجاليليو ربما كان أخطر ما حدث في تاريخ تكوين الفكر الحديث، بيد أن الناس لم يدركوا في مبدأ الأمر جميع ما أضمره هذا التحول من معان، وبقيت الفلسفة متبوئة عرشها، بل إنها حينما أضافت في القرن الثامن عشر لقبا جديدا إلى ألقابها، وأسمت نفسها الفلسفة الطبيعية، لم يلحظ أحد أن الاسم الجديد سيكون له ما بعده، والذي أخفى على الناس حقيقة ما حدث أن جاليليو ومن جاء بعده كانوا هم أيضا فلاسفة، بل هم الأحق باللقب؛ إذ إن النتائج الباهرة التي أقاموها على الملاحظة والتجربة قد كشفت كثيرا من المحجوبات، وبعثت الأمل في أنها سوف تبدد كل ما يحيط بالعالم من غموض، فلا عجب أن توهم الناس أن صورة العالم العاقل كما خرجت من أيدي الفلاسفة الملاحظين المجربين أوضح دلالة من الصورة التي وضعها أسلافهم في العصور الوسطى؛ أي إن قوانين الطبيعة وقوانين رب الطبيعة هما اسمان لشيء واحد، وأن كل شيء مما صنع الله سوف يفسره العلم إن قريبا وإن بعيدا، وبناء على ذلك فللبيب أن يكتفي بحد أدنى من التصديق المطلق، وله أن يفعل ذلك، ولكن بتحفظ واحد، تحفظ بالغ الخطورة، وإن خفيت في مبدأ الأمر خطورته؛ هو أنه لا بد له من الإيقان بأن الطبيعة تجري على نظام مطرد، وأن عقل الإنسان قادر على أن يكشف طريقتها في العمل.
وقد بقي هذا الإيقان سائدا والتفاؤل بالمستقبل غالبا حتى حدث في أثناء القرن التاسع عشر أن اكفهر الجو، ولم يعد أمر المستقبل جليا كما كان من قبل للناظرين، وضجر المفكرون بذلك الاقتران بين مادة الحقائق والعقل، وبين العلم الطبيعي وقوانين الطبيعة، ففسخوا في القرن العشرين القران وفرقوا بين الأزواج، وإن شعروا بشيء من الأسى لما يفعلون، وصار العلم مجرد علم، وبعد أن كان العلميون يفخرون بأنهم فلاسفة أصبح نعتهم بذلك الوصف انتقاصا من قدرهم، وبعد أن كان الناس يتصورون العالم الذي يعيش فيه الإنسان آلة دقيقة الصنع، تؤدي على خير وجه ما قصده منشئها موجد الكون الخبير، أخذت تلك الصورة في التلاشي شيئا فشيئا، وانقطع أساتذة العلوم عن الخوض في القوانين الطبيعية، وقل تحدثهم عنها حديث العارف الواثق، وقنعوا بالجد فيما اعتبروه شأنهم اللائق بهم؛ ألا وهو أن يتخذوا من مادة الكون مهما كانت حقيقتها موضوعات الملاحظة والتجريب، وفهم، وقياس حركتها، وتأثيرات أجزائها البعض في البعض الآخر، وهم إذ يجدون في طلب ذلك بحمية لا تفتر لا يضمرون فيما يفعلون أي غايات غير ما هم بصدده من الملاحظة والتجريب والقياس والفهم، وقد قال لويد مورجان : «يختص العلم بالنظر في التغييرات التي تحدث في تركيب الأشياء، وفي تتبع ازدياد سرعات الحركات عندما يحدث هذا، ولكنه لا يجاوز هذا إلى شيء آخر، بل يترك لما وراء الطبيعة النظر في العامل المحدث إن كان هناك عامل محدث.»
13
ولا شك في أن ثمرة جد العلماء في طلب هذه الغاية المحدودة واستعمال المنهج العلمي على هذا الوجه المتناهي في التواضع كانت مما يخطف الأبصار عجبا، وبعد فكيف نقدرها؟ نعرف أننا نعيش في عصر الآلات، ونعرف أن فن الاختراع هو أعظم ما اخترعنا من الفنون، وأن ظروف الحياة في مدة وجيزة لا تزيد على خمسين سنة قد تبدلت تبدلا تاما، ولكن الذي لا ندركه على ما ينبغي له من الوضوح أن ذلك التبدل المحير للألباب أثر في عقولنا فانحرفت نحو وجهات جديدة، ولم تعد اليوم الاكتشافات والاختراعات وليدة الصدفة السعيدة نترقبها بين اليأس والرجاء، بل هي الآن شيء آخر مختلف تماما، هي جزء من علمنا الاعتيادي نتوقعها ونتعمد إيجادها، بل نوجدها في الوقت المحدد لذلك، ولا يثير جديد دهشة ما، فليس شيء يبقى جديدا، بل على العكس، لقد اعتدنا الغريب حتى انعدم الفرق بين الشيء غير المألوف والشيء المعتاد، ولا جديد في السماء أو في الأرض لم نتخيله في مختبراتنا، وإنا ليدهشنا حقا ألا يأتي المستقبل القريب أو البعيد بجديد يتحدى به قدرتنا على مواجهته، وقد علمنا العلم أن لا ثمرة ترجى من وراء محاولة إدراك ماهية العامل الخفي المحدث للأشياء التي نستعملها، أفلا يستطيع أي أنسان أن يسوق السيارة دون أن يفقه شيئا من أثر الكاربوريتر في حركتها، أو يسمع ما يذيعه جهاز الراديو دون أن يفهم سر الإشعاع؟ والواقع أن ليس لدينا من الوقت فضلة تسمح حتى بمجرد التعجب من السماء بنجومها فوقنا، أو بما في نفوسنا من عقد فرويدية، فوقتنا تشغله بأكمله الأشياء العديدة التي نستعملها في قضاء حاجتنا، بحيث لا نملك فراغا نشغله في طلب تفسير معقول للقوة التي تحرك تلك الأشياء، فتؤدي عملها على هذا الوجه الكامل، بل ولا نشعر بالرغبة في معرفتها.
ويشاركنا في استبعاد العامل الخفي المحدث - بهذا الاستخفاف - آخرون فضلاء، بل إن سدنة العلم أنفسهم كانوا إلى الاستبعاد أسبق، وفي تنفيذه أبرع من عامة الناس، ومن مفارقات الفكر الحديث العجيبة أن المنهج العلمي الذي علق عليه الناس الأمل في أن يمحو الغموض عن العالم، قد زاده غموضا كل يوم عن ذي قبل، فالفيزيقا التي ظنوها سوف تغني عن الميتافيزيقا قد استحالت في أيدي الفيزيقيين أنفسهم، إلى أبعد العلوم إيغالا فيما وراء الطبيعة، وكلما أنعم الفيزيقي النظر في مادة الكون، تضاءلت تلك المادة عن ذي قبل، وتحول في يد الفيزيقي الخبير عالم الفيزيقا النيوتونية ذو الماهيات الثابتة إلى مركب من الطاقات الإشعاعية، وبطل ما كانوا يقولون فيما مضى من أن العالم من صنع مهندس قادر أو محرك أول؛ وذلك لأنه لا يمكن فهم العالم عن طريق النظريات الميكانيكية للعالم، وفي هذا يقول وايتهد: «لا معنى للكلام في تفسير ميكانيكي للعالم إذا كنا لا نعرف ما المقصود من الميكانيكا.»
14
ويقول العلم الحديث لنا إننا إذا نسبنا لشيء ما مكانا معينا، فإن هذا الشيء لا يمكن أن ننسب له سرعة قابلة للتعيين، وإذا استطعنا أن نتبين سرعته، فلا يصح أن ننسب له مكانا قابلا للتعيين، ويقول لنا العلم الحديث أيضا: إن الكون يتكون من ذرات، وإن الذرة تتكون من نواة مركزية تدور الإلكترونات حولها في مدارات قابلة للتعيين، بيد أن التجارب قد أظهرت فيما يبدو أن من هذه الإلكترونات ما يتحرك بناء على أسباب لا يعرفها إلا هو، في مدارين في نفس الوقت! هذا هو الموقف الذي نحن فيه الآن بفضل جاليليو، اتبع الذوق والإدراك السليم؛ فقصر نظره على الحقائق التي يمكن ملاحظتها وحدها، ثم حذونا حذوه فصرنا نواجه «حقيقة» ينكرها الإدراك السليم.
অজানা পৃষ্ঠা