أشهر مدرسة فلسفية في التاريخ القديم، وأطولها عمرا؛ فقد أنشئت في أثينا زمان أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد، وظلت تقوم بتدريس الفلسفة حتى النصف الأول من القرن السادس بعد الميلاد، عندما أغلق الإمبراطور جستنيان أبوابها، ومع ذلك لم تمت بإغلاقها، بل استمرت تعيش بعد أن هاجر فلاسفتها أثينا، وذهبوا إلى فارس، حيث رحب بهم كسرى أنوشروان، وأنزلهم في مدينة جنديسابور.
ولا تزال الأكاديمية حية باسمها في جميع اللغات؛ فالأكاديمية عنوان على نوع خاص من معاهد البحث العلمي، وهي تطلق في الأغلب على العلوم أكثر مما تطلق على الفنون والآداب. والصفة من الأكاديمية، أي الأكاديمي، تدل على المفكر المتعمق في البحث، مع الجدة والأصالة.
وقد تيسر للأكاديمية هذا الاستمرار المتصل على مر الزمان، بفضل النظام المحكم الذي وضعه لها مؤسسها أفلاطون.
فقد كانت هناك قبل إنشاء الأكاديمية مدارس في اليونان، كما كانت هناك مدارس في الشرق القديم. وقد أشرنا إلى الفيثاغورية التي ظهرت قبل ذلك بقرنين من الزمان، كما أشرنا إلى مدارس الطبيعيين. وفي القرن الخامس ظهرت مدارس السفسطائيين، وكانت تلك المدارس تؤدي وظيفة معينة هي «تعليم» الخطابة والبيان، فكانت بذلك تعد اليونانيين لتولي الوظائف العامة التي ظهرت مع ظهور الديمقراطية.
إن المدارس لم تكن تظهر إلا لحاجة ماسة؛ فهي تخرج الحكام والساسة؛ إذ كانت مشكلة الحكم هي الشغل الشاغل للأذهان، أو إنها تعد الطلاب لشغل وظائف الكهنة وخدمة المعابد، وذلك بفهم أسرار الدين، ومعرفة مراميه، ووظيفته في خدمة المجتمع، أو إنها تعد الطلاب لأمور الدنيا من معرفة بالحساب والتجارة والاقتصاد وغير ذلك. ولكن مدارس السفسطائيين كانت مختلفة في وظيفتها عن هذه الاتجاهات الثلاثة، ولم تكن تعلم الحق بمقدار ما كانت تعلم التغلب على الخصوم. ومن أجل ذلك نهض أفلاطون ينشئ الأكاديمية يعارض بها «تعليم» السفسطائيين.
ومن الغريب أن سقراط الذي لم يؤثر عنه أنه كان صاحب مدرسة، قد صوره أرستوفان - الشاعر الهزلي المشهور - في تمثيلية السحب، صاحب مدرسة يعلم الشباب الجدل بالحق وبالباطل، ولكن هذا التصوير الكاريكاتوري لا يتفق مع الحقيقة؛ لأن سقراط أفنى حياته يطلب الحق ولا يرضى بالباطل، وقدم للمحاكمة لاتهامه بإفساد الشباب، أي إنه كان يزعزع عقائدهم في القيم السائدة.
فلما أعدم سقراط، حزن عليه تلميذه أفلاطون حزنا شديدا، وسخط على الديمقراطية التي كان يعدها مسئولة عن محاكمته والحكم عليه، ثم رحل أفلاطون عن أثينا، وطاف بكثير من بلاد الشمس ليلتقي بزملائه الفلاسفة. ذهب إلى ميجارا ومكث عند إقليدس الميجاري زمنا. ورحل إلى مصر حيث التقى بكهنتها، ودرس النظم المصرية في الدين و«التعليم» والحكم والفنون، وأعجب بثبات هذه النظم.
فلما قضى في مصر وطره، رحل غربا في شمال أفريقيا إلى مدينة «قورينا»، وهي مدينة أنشأها اليونانيون في الجبل على مقربة من البحر. وفي القرن السادس بعد الميلاد خربتها الزلازل، واندثرت حضارتها، ودفنت تحت الأنقاض، ثم كشف حديثا عن آثارها كاملة، ولكنا لا ندري أين كانت تقع المدرسة القورينائية. وقد ذهب أفلاطون ليلقى هناك ثيودورس الرياضي، ويتذاكر وإياه العلم الرياضي.
ثم توجه بعد ذلك إلى تارنتوم بجنوب إيطاليا، وكانت معقل الفيثاغوريين، حيث التقى بزعيم المدرسة أرخيتاس الرياضي المشهور. جمع أرخيتاس بين العلم الرياضي والفلسفة والسياسة، كما كان قائدا مظفرا، وقد انتخبه أهل مدينته حاكما عليهم، فكان بذلك الحاكم الفيلسوف الذي لعبت صورته في خيال أفلاطون، ورأى في هذه الصورة النموذج لرئيس المدينة الفاضلة.
ولم يلبث أفلاطون أن اتجه إلى صقلية، واتصل في سراقوسة بديون شقيق زوجة ديونيسوس طاغية سراقوسة، وغضب ديونيسوس على أفلاطون بسبب انتقاد الفيلسوف لسياسته، فأمر به أن يباع في أسواق العبيد، وبيع فعلا في إيجينا بثلاثين ميناي، وافتداه تلاميذه، وفكوا أسره، وعاد إلى أثينا سنة 387 قبل الميلاد، وقد بلغ الأربعين من العمر، فبادر بإنشاء الأكاديمية.
অজানা পৃষ্ঠা