Lykeum ، وقد عربها القدماء فقالوا: «اللوقيون»، وهي المدرسة التي أنشأها أرسطو في أثينا، وكان يمارس «التعليم» فيها، وأصبحت تنافس الأكاديمية والمدارس الأخرى اليونانية. ومدرسة أرسطو مدرسة فلسفية عليا، وليست ثانوية ك «الليسيه» حديثا، ولذلك ينبغي عدم الخلط بينهما، والاعتقاد بأن «الليسيه» الحاضرة هي «اللوقيون» قديما أو استمرار لها.
وتعرف مدرسة أرسطو باسم آخر، وبخاصة عند العرب، هي مدرسة المشائين؛ لأن المعلم وتلاميذه كانوا يتعلمون وهم يمشون. وسبق أن ذكرنا أن هذه السنة لم تكن مقصورة على الطلبة في مدرسة أرسطو فقط، بل كانت شائعة في جميع المدارس الفلسفية في بلاد اليونان؛ وذلك لطبيعة الجو الحار الذي يسود أثينا معظم أوقات السنة، فكان الطلبة إما أن يسيروا في المماشي تحت ظلال الأشجار، أو يسيروا جيئة وذهابا في «الرواق» داخل المدرسة. مهما يكن من شيء، فقد اشتهرت مدرسة أرسطو باسم المشائين.
وقد ظلت «اللوقيون» باقية في أثينا تنافس الأكاديمية، وتمتاز عنها بلون خاص، إلى أن أغلق الإمبراطور جستنيان أبواب المدرستين. ومع ذلك، فإن تاريخ «اللوقيون» أغمض من صاحبتها، إلا أن «اللوقيون» - أو المشائية - أشهر في الزمن القديم. وكما يتصل إنشاء الأكاديمية باسم صاحبها وفلسفته، كذلك يتصل «اللوقيون» باسم منشئها ومؤسسها وصاحبها أرسطو؛ فهي ثمرة غرسه، ونتاج فلسفته. وإذا كان أفلاطون قد أنفق أربعين عاما يشيد صرح الأكاديمية؛ إذ أنشأها سنة 387 ق.م. واستمر رئيسا لها، إلى أن توفي سنة 347ق.م، فإن أرسطو لم يستمر على رأس مدرسته سوى اثني عشر عاما؛ لأنه لم يفتتحها إلا وهو في الخمسين من عمره. ولكن لماذا ترك أرسطو الأكاديمية التي تعلم فيها، وكان من أبرز تلاميذها، وقرر أن ينشئ مدرسة أخرى؟ والجواب عن هذا التساؤل يقتضي منا أن نشير إلى سيرة أرسطو بإيجاز.
ولد أرسطو 384ق.م. بمدينة ستاجيرا من أعمال خلقيس، ولذلك حين يقال الفيلسوف الاستاجيري لا تنصرف هذه التسمية إلا إليه، أو حتى حين يقال الاستاجيري
The Stagirite
فقط. وكان أبوه نيقوماخوس من نسل أسقلبيادس طبيبا للملك أمنتاس الثاني ملك مقدونيا، الذي أنجب فيليب والد الإسكندر. وكان الأطباء يورثون أبناءهم صناعتهم، ومن هنا نشأ أرسطو على محبة العلوم الطبيعية وعلم الحياة، وتدرب في صباه على التشريح والجراحة. ولما بلغ الثامنة عشر أوفد إلى أثينا حيث التحق بالأكاديمية، وظل فيها عشرين عاما. حقا كانت هناك عدة مدارس فلسفية في أثينا، ولكن الأكاديمية كانت أفضلها وأرقاها. وقد تأثر أرسطو بشخصية أفلاطون وتعاليمه إلى الأعماق، وانطبع بطابع لا يمحى، على الرغم من معارضة الفيلسوف الاستاجيري لنظرية «المثل». وكان صاحب الأكاديمية يعرف في تلميذه فضله وذكاءه؛ فسماه «القراء»، و«العقل»، أي عقل المدرسة. وكثيرا ما يصف أرسطو نفسه في كتبه بقوله إنه أحد الأفلاطونيين، أو بنص عبارته: «نحن الأفلاطونيين»؛ مما يدل على ولائه للأكاديمية.
ويذهب بعض المؤرخين من المحدثين إلى تكذيب الروايات القديمة التي تجمع على بقاء أرسطو عشرين عاما تلميذا بالأكاديمية. وهم يرون أنه اختلف إلى أكثر من أستاذ، وبخاصة في البلاغة، مثل إيسقراط وديموستين، وأنه كان يتردد على الأكاديمية بين حين وآخر. ولكن الذي يدحض هذا التصوير، أن أرسطو كان يعارض مدرسة أيسقراط، وكذلك مدرسة ديموستين؛ لأنهما يعلمان على طريقة السفسطائيين التغلب على الخصم بسحر البلاغة ورنين الألفاظ، لا بقوة المنطق والتفكير السديد المحكم. ومما يروى أن أرسطو كان يلقي دروسا في الخطابة - وهو طالب في الأكاديمية - على الجمهور ينافس بها دروس إيسقراط.
ويبدو أن الطابع العام لجميع المدارس الفلسفية قديما كان واحدا؛ فالمدرسة جماعة من الباحثين والمفكرين يرتبطون بروح مشتركة، ويشاركون في آراء أساسية، وفي الوقت نفسه يحتفظ كل واحد منهم باستقلاله في البحث. وهذا الاستقلال يفسر لنا اتجاه أرسطو منذ كان في الأكاديمية إلى متابعة البحث في العلم الطبيعي، كما ذكرنا قبلا.
لم يكن أرسطو الذي سماه أفلاطون «القراء » و«العقل»، ليقبل أن يستمر في الأكاديمية تحت رئاسة سبيسيبوس، الذي مضى - بعد موت أفلاطون - يوجه المدرسة نحو الرياضة، وأن يقلب الفلسفة - كما يقول أرسطو - إلى رياضيات.
مهما يكن من شيء، فلسنا ندري الأسباب الحقيقية التي من أجلها هجر أرسطو الأكاديمية، ورحب بدعوة زميل قديم له في تلك المدرسة هو «هرمياس»، الذي أصبح حاكم أسوس، وجمع حوله حلقة صغيرة من الأفلاطونيين. وبعد ثلاث سنوات ذهب إلى ميتلين في جزيرة لسبوس، حيث لقي صديقه ثاوفراسطس زميله في الأكاديمية، وخليفته فيما بعد على رئاسة «اللوقيون». وترجع مباحث أرسطو ومشاهداته في العلم الطبيعي والبيولوجي إلى إقامته في أسوس وميتلين. وفي سنة 343ق.م. دعاه الملك فيليب لتثقيف ابنه الإسكندر؛ فعلمه إلياذة هوميروس، ومبادئ الحكم. ولكن حقيقة «التعليم» الذي تلقاه الإسكندر من معلمه غير معروف. فلما توفي فيليب 335ق.م. عاد أرسطو إلى أثينا، وأنشأ «اللوقيون»، وتلقى من تلميذه الإسكندر معونات كبيرة مالية وأدبية.
অজানা পৃষ্ঠা