عثرت لعا بل لليدين وللفم
ولهذا الخبر دلالة على ما كان تمكن في صدور الناس من حب أهل البيت والتصوف في ذلك الحب؛ فابن السكيت كان يخفي التشيع إخفاء شديدا، بحيث خدع فيه المتوكل، وعهد إليه بتأديب ولديه، ولكن الشراب يفضح المكتوم من أخبار السرائر والنفوس، فلما أخذت منه الكأس أعلن ما كتم، وصرح بأن قنبر خادم علي أحب إليه من ابني المتوكل، فاستهدف للقتل. (6)
ولا ينبغي أن ننسى أن الشعراء والخطباء والقصاص لونوا قتل الحسين رضي الله عنه بألوان شعرية، ألم يقل قائلهم: إن الدم كان يجري من ذلك الفم الذي طالما قبله الرسول؟
إن هذه اللمحة هي وحدها صورة شعرية تهيج ما غفا من المشاعر والأحاسيس. (7)
ولنتذكر أن بني أمية قاوموا هذه الصور الشعرية، ولكنهم لم يفلحوا، فقد ظل الناس يحبون الحسين. أما دسائس الأمويين ضد الحسين فقد ظفرت ببعض النجاح، ألم يستطيعوا أن يشيعوا في المشرق والمغرب أن الحسن لم يكن صالحا للملك، وأنه كان رجلا مفتونا بحب النساء؟
ومن العجيب أن بني أمية حاربوا الحسن بلباقة سياسية منقطعة النظير، فقد كانوا يودون اتهامه بضعف الأخلاق، وحب الإثم والفسوق، فلما عز عليهم ذلك قالوا: إنه لم يكن يتمتع بالنساء إلا عن طريق الحلال، فكان يتزوج المرأة ليلهو بها يوما أو بعض يوم، ثم يطلقها ليبحث عن امرأة أفتن وجها، وأنضر شبابا.
ومن العجيب أيضا أن الهاشميين لم يقاوموا هذه الدسيسة، وأعجب من ذلك أن يعدوها من مفاخر ذلك السيد المزواج!
ومن طريف الفكاهات أني كنت نشرت كلمة في جريدة البلاغ عن شواطئ الإسكندرية قلت فيها: «إن أجسام الملاح في تلك الشواطئ تغرس الشوق إلى الاعتزاز بالقومية المصرية»، فعاتبني الشيخ محمد الحكيم المصحح بجريدة البلاغ، وقال: هذه دعوة إلى المجون.
وكنت أعرف أن العمامة الخضراء التي تزين رأسه ستغنيني في إقناعه، فالتفت إليه وقلت: حتى أنت يا سليل الحسن بن علي، تنكر الدعوة إلى تقديس الجمال؟! فابتسم، وطابت نفسه، وانشرح صدره، وترحم على جده، وانطلق يحدث عن نوادره مع النساء.
وقليل من التنبه كاف لتعريفنا بخطر هذه الدسيسة في عالم السياسة، فإن الرجل الذي يشغل نفسه بسياسة المرأة يعسر عليه أن يتفرغ لسياسة الدولة، وهذا المغمز لا يزال معروفا في ميادين النضال السياسي، ولو شئنا لضربنا لذلك الأمثال.
অজানা পৃষ্ঠা