وزعم معمر أن العلم عشرة أجناس: خمسة منها درك الحواس، والعلم السادس كالسير الماضية والبلدان القائمة، والسابع: علمك بقصد المخاطب إليك وإرادته إياك، عند المحاورة والمنازعة. وقبل ذلك: وجود الإنسان لنفسه، وكان يجعله أول العلوم، ويقدمه على درك الحواس. وكان يقول: ينبغي أن يقدم وجود الإنسان لنفسه على وجوده لغيره. وكان يجعله علما خارجا من درك الحواس؛ لأن الإنسان لو كان أصم لأحس نفسه ولم يحس صوته، ولو كان أخشم لأحس نفسه ولم يحس رائحته. وكذلك سبيل المذاقات والملامس. فلما كان المعنى كذلك وجب أن يفرد من درك الحواس، ويجعل علما ثامنا على حياله وقائما بنفسه.
ثم جعل العلم التاسع: علم الإنسان بأنه لا يخلو من أن يكون قديما أو حديثا.
وجعل العلم العاشر: علمه بأنه محدث وليس بقديم.
فصل منه
ولست آلو جهدا في الكلام والإيجاز في الإدخال على بشر بن المعتمر في درك الحواس، ثم على أبي إسحاق في ذلك، وفي غيره مما ذكرت من مذاهبه، وتركه قياس ما بنى عليه إن شاء الله، لنصير إلى الكلام في المعرفة، فإني إليه أجريت، وإياه اعتقدت، ولكني أحببت أن أبدي فساد أصولهم قبل فروعهم، فإن ذلك أقتل للداء وأبلغ في الشفاء، وأحسم للعرق، وأقطع للمادة، وأخف في المؤونة على من قرأ الكتاب، وتدبر المسألة والجواب. وبالله ذي المن والطول نستعين.
পৃষ্ঠা ৫২