قالوا: فالدليل على درك الحواس فعل الإنسان على ما وصفنا واشترطنا، من إيجاب الأسباب، وتقدم العلل: أن الفاتح بصره لو لم يفتح لم يدرك. فلما كان البصر قد يوجد مع عدم الإدراك، ولا يعدم الإدراك مع وجود الفتح، كان ذلك دليلا على أن الإدراك إنما كان لعلة الفتح، ولم يكن لعلة البصر؛ لأنه لو كان لعلة صحة البصر كانت الصحة لا توجد أبدا إلا والإدراك موجود. فإذا كانت الصحة قد توجد مع عدم الإدراك، ولا يعدم الإدراك مع وجود الفتح، كان ذلك دليلا على أن الإدراك إنما كان لعلة الفتح، ولم يكن لعلة البصر؛ لأنه لو كان لعلة صحة البصر كانت الصحة لا توجد أبدا إلا والإدراك موجود. فإذا كانت الصحة قد توجد مع عدم الإدراك، ولا يعدم الإدراك مع وجود الفتح، كان ذلك شاهدا على أنه إنما كان لعلة الفتح دون صحة البصر.
وقالوا: ولأن طبيعة البصر قد كانت غير عاملة حتى جعلها الفاتح بالفتح عاملة، ولأن الفتح علة الإدراك ومقدمة بين يديه، وتوطئة له. وليس الإدراك علة للفتح ولا مقدمة بين يديه، ولا توطئة له، فواجب أن يكون فعل الفاتح، لأن السبب إذا كان موجبافالمسبب تبع له.
فصل منه
ثم قالوا بعد الفراغ من درك الحواس في معرفة الله ورسوله وكل ما فيه الاختلاف والتنازع، أن ذلك أجمع لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون يحدث من الإنسان لعلة النظر المتقدم، أو يكون يحدث على الابتداء، لا عن علة موجبة وسبب متقدم.
فإن كانوا أحدثوه على الابتداء، فلا فعل أولى بالاختيار، ولا أبعد من الاضطرار منه.
পৃষ্ঠা ৪৯