যুক্তিসঙ্গত ও অযৌক্তিক আমাদের চিন্তাশীল ঐতিহ্যে
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
জনগুলি
وإلى جانب أن تختلف اللفظة في بنيتها باختلاف ما تصوره قوة وضعفا، واتصالا وتقطعا، فهي كذلك تختلف في جرسها بما يتفق مع الصوت الذي جاءت لتقابله؛ «... وذلك أنهم كثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها، فيعدلونها بها، ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدره، وأضعاف ما نستشعره، من ذلك قولهم: خضم، وقضم، فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب، والقضم للصلب اليابس، حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث» (ص158).
وإن التعليلات العقلية لأوضاع اللغة لتبلغ مع ابن جني ذروتها، حين يحدثنا عن «الأفعال» في اللغة وطريقة دلالتها على أزمنة حدوثها، فحيثما يخشى اللبس بين ماض وحاضر ومستقبل وجدت «الفعل» قد اتخذ الصورة التي تمنع ذلك اللبس، وأما حيثما استحال عقلا أن نخلط بين أزمنة الحدوث، جاز عندئذ أن يأخذ الفعل صورة غير الصورة التي تدل على زمن الحدوث، اعتمادا على أن السياق يؤدي بالسامع حتما إلى التصور الصحيح، يقول: «كان حكم الأفعال أن تأتي كلها بلفظ واحد؛ لأنها لمعنى واحد، غير أنه لما كان الغرض في صناعتها أن تفيد أزمنتها، خولف بين مثلها ليكون ذلك دليلا على المراد منها ... فإن أمن اللبس فيها، جاز أن يقع بعضها موقع بعض، وذلك مع صرف الشرط، نحو: إن قمت جلست؛ لأن الشرط معلوم أنه لا يصح إلا مع الاستقبال، وكذلك: لم يقم أمس، وجب لدخول «لم» ما لولا هي لم يجز ... ولأن المضارع أسبق في الرتبة من الماضي، فإذا نفي الأصل كان الفرع أشد انتفاء» (ج3، ص331).
ولنترك هذه المائدة الغنية بغذائها الفكري، لنرحل رحلة قصيرة عن بغداد، إلى حيث نلتقي بأحد أعلام النقد البارزين، فما دمنا بصدد الحديث عن اللغة وفلسفتها، فيشوقنا أن نلقي نظرة على ميدان النقد الأدبي، وإذن فإلى «جرجان» لنلقى هناك عبد القاهر الجرجاني، نسمع ماذا يقوله عن تصوره للمعنى كيف يبنى على اللغة التي تحمله، وبعدئذ لنا عودة إلى بغداد؛ فمعظم الصيد - عندئذ - في جوف بغداد.
41
عندما كتب برتراند رسل كتابه «بحث في المعنى والصدق» وقف وقفة تحليلية ليسأل نفسه، وليحاول الجواب عن سؤاله، ما الذي يعطي الجملة المفيدة وحدتها؟ إنها مركبة من مفردات تتوالى فإذا كانت منطوقة جاء تواليها تتابعا على خط الزمن، وإذا كانت مكتوبة، جاء ذلك التوالي تجاورا في حيز المكان، لكننا ما لم نقع وراء هذه المفردات على الرابط المنطقي الذي يربطها، لما استطعنا أن نحدد لأنفسنا ماذا نعني بقولنا «فكرة»، كان يسيرا بالطبع على أناس كثيرين أن يقولوا: اللفظ جسد، والفكرة أو المعنى روحه، أو: اللفظ هو مادة الجملة، والفكرة أو المعنى صورتها، لكن رجلا مثل «رسل» لا يرضى لنفسه أمثال هذه الغوامض، فإذا بحث ووجد أن الرابط المنطقي المنشود إنما يكمن في طريقة «الترتيب» الذي تتوالى به المفردات واصل البحث ليرى: أية طريقة في الترتيب تلك التي إذا توافرت للمفردات صنعت جملة، وبالتالي صنعت فكرة؟
فإذا قرأنا لعبد القاهر الجرجاني كتابيه: «أسرار البلاغة» و«إعجاز القرآن» أدركنا كم هي قوية تلك الصلة التي تنظم الجرجاني في أوائل القرن الحادي عشر (توفي 1078م) وبرتراند رسل في القرن العشرين (توفي 1970م)؛ فالفكرة عندهما واحدة من حيث الأساس، وهو أن المعنى كائن في طريقة الترتيب التي تنظم بها المفردات، لا في المفردات من حيث هي مفردات وكفى، وذلك برغم الاختلاف البعيد الذي يفصل الرجلين في طريقة التناول؛ فبينما الجرجاني قد غلبت عليه النظرة اللغوية النحوية، غلبت على رسل النظرة المنطقية الرياضية، وهو - في الحق - فاصل من أهم الفواصل المميزة بين طريقة التفكير قديما وحديثا.
والآن فلننصت إلى هذا الناقد العقلاني لنسمع ماذا يقول في قضايا ما زالت نابضة بالحياة إلى يومنا هذا، وسنبدأ بكتابه «أسرار البلاغة» لنعقبه بكتابه الآخر «إعجاز القرآن».
يبدأ بقوله في صراحة واضحة: «الألفاظ التي لا تفيد حتى تؤلف ضربا خاصا من التأليف، يعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب ...» (ص2، طبعة المنار، ط2)، ثم يمضي شارحا فيقول: إنك لو تناولت بيتا من الشعر أو فصلا من النثر، وعددت كلماته عدا كيف جاء واتفق، مبطلا نظام تلك الكلمات الذي بنيت عليه العبارة بحيث أصبح لها المعنى الذي لها، ومغيرا لترتيب الكلمات الذي بخصوصيته أفاد كما أفاد، لأخرجت البناء اللغوي «من كمال البيان إلى مجال الهذيان» نحو أن تقول في «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل»: «منزل قفا ذكرى من نبك حبيب.»
فلماذا كان لترتيب اللفظ على نحو معين قدرة على البيان؟ يجيب الجرجاني بقوله: ذلك لأن ترتيب اللفظ على هذا النحو المعين إنما يساير الترتيب نفسه الذي انتظمت به المعاني في ذهن المتكلم، ولقد انتظمت المعاني هناك وفق ما يقتضيه العقل، فالمنطق العقلي نفسه يدلك على أي المعاني يجب أن تسبق، وأيها يجب أن تأتي لاحقة، بحكم طبائعها بالنسبة للموقف الذي نقفه من عالم الأشياء، فالمبتدأ يجب أن يسبق ليلحق به الخبر، والفاعل يجب أن يسبق ليلحق به مفعوله، والموصوف يجب أن يذكر أولا لتلحق به الصفة التي نريد أن ننعته بها ... (ص3). وهنا لا ينبغي لنا أن نترك الجرجاني بغير تعليق؛ فلسنا على ثقة بما يزعمه من أن مثل ذلك الترتيب الذي ضرب له الأمثلة هو من حكم «العقل» و«المنطق»؛ لأنه لو كان كذلك لتساوت فيه لغات الأرض جميعا، لأن المتكلم بلغة - أيا كانت - هو إنسان يتساوى مع بقية الناس فيما هو «عقل» و«منطق»، فإذا رأينا اللغة الإنجليزية مثلا تقدم الصفة على الموصوف بها، عرفنا أن الأمر إذن ليس محتوما بأحكام العقل.
ونمضي معه إلى قضية أخرى يرتبها على ما قد أسلفه من أن «المعنى» هو في ترتيب المفردات، وذلك حين يجيء هذا الترتيب موازيا لترتيب المعاني في الذهن، وهذا الأخير بدوره إنما هو من إملاء المنطق العقلي، فكأنما يسأل بعد ذلك قائلا: وما الذي يخلع «الجمال» على العبارة الأدبية، شعرا كانت أم نثرا؟ فيكون جوابه هو نفسه الجواب السابق الخاص بالمعنى؛ إذ يقول: إن اللفظ في حد ذاته عنصر محايد لا جمال فيه ولا قبح، لكن الذي يعطيه الجمال الأدبي أو يسلبه منه، هو مسايرته للمعاني القائمة في الذهن؛ المعاني وترتيبها العقلي مرة أخرى! ترى هل يريد الجرجاني بذلك أنه ما دام اللفظ قد انساق في ترتيبه مع ترتيب المعاني التي في الذهن، فقد توافر له المعنى والجمال في آن معا؟ أيكون «المعنى» و«الجمال » شيئا واحدا؟ بحيث يجوز لنا القول بأن كل ذي معنى فهو جميل؟ ... أعتقد أن هذا الموقف هو ما يلزم عن مقدماته ولو لم يرد عنده بهذه الصورة الواضحة، فإذا كان هو ما يريده، سلكناه في زمرة الفلاسفة القائلين بأن جمال الشيء هو في أن يكون أداة صالحة لفعل ما أريد لها أن تفعله، وهؤلاء هم الفلاسفة الناظرون إلى الحقيقة نظرة عقلانية محضة، لا دخل «للوجدان» فيها، فهكذا يقول سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من أصحاب المعيار العقلي في مسائل القيم.
অজানা পৃষ্ঠা