যুক্তিসঙ্গত ও অযৌক্তিক আমাদের চিন্তাশীল ঐতিহ্যে
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
জনগুলি
والشائع فيما يكتبه الدارسون عن هذه الرسائل أن عددها إحدى وخمسون رسالة، تضاف إليها رسالة جامعة تلخص ما ورد في سائرها، لكن كاتب هذه الصفحات، وهو يطالع الرسائل في أجزائها الأربعة، قد صادفته دلائل متناقضة مضطربة بالنسبة إلى عدد الرسائل، حتى تعذر عليه آخر الأمر أن يعرف كم هي على وجه التحقيق، فأنت إذا تتبعت فصولها فصلا فصلا، وجدتها تبدأ بمقدمة تلخص لك ما أنت واجده في الفصول التالية، ثم تدخل بعد ذلك في أربع عشرة رسالة كلها خاص بالعلوم الرياضية، وهي كلها في المجلد الأول، وتنتقل إلى المجلد الثاني فإذا أنت مع اثنتي عشرة رسالة في العلوم الطبيعية، وتنتقل إلى المجلد الثالث فتجده يبدأ بخمس رسائل أخرى في العلوم الطبيعية، وإذن فلهذه العلوم سبع عشرة رسالة، ثم تنتقل إلى المجلد الثالث فتطالع فيه عشر رسائل عن العلوم العقلية والنفسية، يتلوها رسالة واحدة في العلوم الشرعية، وبها ينتهي المجلد الثالث، وأخيرا يأتي المجلد الرابع وفيه عشر رسائل في العلوم الشرعية أيضا، إذا أضفنا إليها الرسالة الواحدة التي ختم بها المجلد الثالث كان عددها إحدى عشرة رسالة لهذه العلوم الشرعية، وبذلك تنتهي الرسائل كما وردت في المجلدات الأربعة، فاجمع الأربع عشرة الرياضية، إلى السبع عشرة الطبيعية، إلى العشر العقلية والنفسية، إلى الإحدى عشرة الشرعية، يكن المجموع اثنتين وخمسين رسالة، وليس بينها الرسالة الجامعة، ولا «رسالة الفهرست» التي ترد في مطلع الكتاب، والتي تبدأ هكذا: «هذه فهرست رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا ... وهي اثنتان وخمسون رسالة في فنون العلم وغرائب الحكم وطرائف الآداب وحقائق المعاني عن كلام الخلصاء الصوفية ... إلخ.»
ولكنك تقع في صلب الرسائل على إشارات كثيرة توقفك موقف الحيرة من العدد؛ كم يكون على الحقيقة؟ مثال ذلك: تبدأ الرسالة الأخيرة من الجزء الرابع الأخير، وهي الرسالة الثانية والخمسون، بهذه العبارة: «... إنا قد ذكرنا في خمسين رسالة تقدمت لنا قبل هذه الرسالة فنون العلم وغرائب الحكمة ... إلخ»، مع أن الذي تقدم عدده إحدى وخمسون رسالة لا خمسون.
30
ولعل هدفهم الرئيسي من هذه الرسائل على اختلاف موضوعاتها، هو أن يبينوا في جلاء أن الشريعة الإسلامية والفلسفة اليونانية لا يتعارضان في شيء، وهو - كما نعلم - هدف مشترك للحركة الفلسفية كلها إبان القرون الوسطى جميعا، إسلامية كانت في الشرق العربي، أو مسيحية في أوروبا، وفي هذا قال أصحاب الرسائل: إن الشريعة قد دنستها الجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة؛ لأن هذه الفلسفة قوامها الحكمة، فإذا رأينا حكمة الفلاسفة اليونان قد انتظمت مع شريعة الدين، كان لنا بذلك كمال ليس بعده أكمل.
ولقد روى لنا أبو حيان التوحيدي في سياق حديثه عنهم في «الإمتاع والمؤانسة» أن أحدهم (وهو المقدسي) قال عن الشريعة والفلسفة ما يأتي: «الشريعة طب المرضى، والفلسفة طب الأصحاء، والأنبياء يطبون للمرضى حتى لا يتزايد مرضهم، وحتى يزول المرض بالعافية فقط، وأما الفلاسفة فإنهم يحفظون الصحة على أصحابها، حتى لا يعتريهم مرض أصلا، فبين مدبر المريض وبين مدبر الصحيح فرق ظاهر وأمر مكشوف؛ لأن غاية تدبير المريض أن ينتقل به إلى الصحة، هذا إذا كان الدواء ناجعا، والطبع قابلا، والطبيب ناصحا، وغاية تدبير الصحيح أن يحفظ الصحة، وإذا حفظ الصحة فقد أفاده كسب الفضائل، وفرغه لها وعرضه لاقتنائها، وصاحب هذه الحال فائز بالسعادة العظمى، وقد صار مستحقا للحياة الإلهية، والحياة الإلهية هي الخلود والديمومة، وإن كسب من يبرؤ من المرض بطب صاحبه الفضائل فليست تلك الفضائل من جنس هذه الفضائل؛ لأن إحداهما تقليدية والأخرى برهانية، وهذه مظنونة وهذه مستيقنة، وهذه روحانية وهذه جسمانية، وهذه دهرية وهذه زمانية ...»
ولم تكن هذه النظرة من إخوان الصفا، التي تعلي قدر الفلسفة على قدر الشريعة من حيث الوظيفة التي تؤديها كل منهما، لتقع من كثيرين مواقع الرضى، لكن هكذا كانوا أميل إلى التفكير العقلي، منهم إلى التقليد وقبول الرواية، مما أدى بهم إلى ضرب من التسامح الديني وسعة الأفق، بحيث لم يكادوا يفرقون بين دين ودين، فالأديان كلها سواء في تحقيق الغاية؛ يقولون: «... ينبغي لإخواننا - أيدهم الله تعالى - ألا يعادوا علما من العلوم، أو يهجروا كتابا من الكتب، ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب؛ لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها، وذلك أنه هو النظر في جميع الموجودات بأسرها، الحسية والعقلية، من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليها وخفيها، بعين الحقيقة من حيث هي كلها من مبدأ واحد، وعلة واحدة، وعالم واحد، ونفس واحدة، محيطة جواهرها المختلفة، وأجناسها المتباينة، وأنواعها المفننة، وجزئياتها المتغيرة.»
فلا عجب أن وجدنا من رجال الدين بعد ذلك من لم يطمئن إلى إخوان الصفا في وقفتهم هذه التي تسوي بين الديانات جميعا، بل قيل عنهم: إنهم ما دانوا بالإسلام إلا ليتخذوا منه قاعدة تؤلف لهم مذهبهم الشامل، لا ليعتقدوا بعقيدته من حيث هي عقيدة خالصة متميزة، كما هو واضح في الرسالة الرابعة والأربعين، وقد ورد فيها: «أعلم أيها الأخ البار الرحيم - أيدك الله وإيانا بروح منه - أنا نحن - جماعة إخوان الصفا - أصفياء وأصدقاء كرام، كنا نياما في كهف أبينا آدم مدة من الزمان، تتقلب بنا تصاريف الزمان ونوائب الحدثان، حتى جاء وقت الميعاد بعد تفرق في البلاد، في مملكة صاحب الناموس الأكبر، وشاهدنا مدينتنا الروحانية المرتفعة في الهواء ... وهي التي أخرج منها أبونا آدم وزوجته وذريتهما لما خدعهما عدوهما اللعين وهو إبليس، وقال: «هل أدلكما على شجر الخلد وملك لا يبلى؟» واغترا بقوله، وحملهما الحرص والعجلة، فبادرا وطلبا ما ليس لهما أن يتناولاه قبل استحقاقه في أوانه، فسقطت مرتبتهما وانحطت درجتهما، وانكشفت عورتهما، وأخرجاهما وذريتهما جميعا، بعضهم لبعض عدو، وقيل لهم: اهبطوا منها، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، فيها تحيون وفيها تموتون، ومنها تخرجون يوم البعث إذا انتبهتم من نوم الجهالة، واستيقظتم من رقدة الغفلة، إذا نفخ فيكم بالصور، فتنشق عنكم القبور، وتخرجون من الأجداث سراعا ...
فهل لك يا أخي ... أن تبادر وتركب معنا في سفينة النجاة التي بناها أبونا نوح عليه السلام، فتنجو من طوفان الطبيعة قبل أن تأتي السماء بدخان مبين، وتسلم من أمواج بحر الهيولى ولا تكون من المغرقين؟
أو هل لك يا أخي أن تنظر معنا حتى ترى ملكوت السموات التي رآها أبونا إبراهيم لما جن عليه الليل حتى تكون من الموقنين؟ أو هل لك يا أخي أن تتمم الميعاد وتجيء إلى الميقات عند الجانب الأيمن، حيث قيل: يا موسى، فيقضى إليك الأمر فتكون من الشاهدين؟ أو هل لك يا أخي أن تصنع ما عمل فيه القوم كي ينفخ فيك الروح فيذهب عنك اللوم حتى ترى الأيسوع (= يسوع) عن ميمنة عرش الرب، قد قرب مثواه كما يقرب ابن الأب، أو ترى من حوله الناظرين؟ أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريمون؟ أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك التي يحيكها أفلاطون، وإنما هي أفلاك روحانية لا ما يشير إليه المنجمون؟»
هكذا رأى إخوان الصفا في فريق واحد متجانس: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ويزدان المجوسي، وأفلاطون الفيلسوف ... كلهم في أعينهم مصدر للهداية على حد سواء، فنفهم إذن لماذا ازور عنهم كثيرون من أهل الرأي كلما ورد ذكرهم؛ يقول أبو حيان التوحيدي عنهم: «قد رأيت جملة من رسائل الإخوان، وهي مبثوثة من كل فن بلا إشباع ولا كفاية، وهي خرافات وكنايات، وتلفيقات وتلزيقات، وحملت عدة منها إلى شيخنا أبي سليمان المنطقي السجستاني محمد بن بهرام، وعرضتها عليه، فنظر فيها أياما، وتبحرها طويلا، ثم ردها علي، وقال: تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجروا، وحاموا وما وردوا، وغنوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا.»
অজানা পৃষ্ঠা