যুক্তিসঙ্গত ও অযৌক্তিক আমাদের চিন্তাশীল ঐতিহ্যে
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
জনগুলি
هذا مثل أسوقه، وإني لأدعو القارئ أن يتخيل نفسه كما لو كان واحدا من أهل المدينة آنذاك، وجلس مع الجالسين ليستمع لأمير المؤمنين يوم بيعته، فبأي معنى راسخ يترك مكانه بعد أن سمع الخطاب؟ إن اللفظ هنا - بالنسبة إلينا نحن أبناء هذا العصر - قد نحت من حجر صوان، وصف بعضه إلى بعض صفا عجيبا، فإذا استمعنا إليه، خيل إلينا أنه قد قصد لذاته لا ليلفت السمع إلى معنى وراءه، فترانا قد شغلنا به هو، نعجب لقوته وبراعة تركيبه، لكننا لا نكاد ننفذ منه إلى شيء وراءه.
ليس هذا نقدا لبلاغة «النهج»؛ فبلاغته مقطوع بها، لكنني أردت الإشارة إلى الاختلاف البعيد بين ثقافتين؛ ثقافتنا اليوم، وثقافتهم بالأمس، كانت صياغة اللفظ عندهم هي الهدف وهي الوسيلة، فإذا أجاد صائغ الكلام صوغ كلامه فقد فرغ من مهمته، وأما اليوم فقد حلت - أو كان ينبغي أن تحل - محل الصياغة اللفظية المحكمة، صياغة رياضية محكمة لقانون علمي يمكن استخدامه في تسيير مركبة أو استنبات زرع أو تحلية ماء من البحر الأجاج.
وحذار أن نخلط هنا أمرا بأمر، إننا لا نقول إن عليا - رضي الله عنه - كان ينبغي له يوم بويع أن يقدم للناس برنامجا قوامه تخطيط علمي بني على صيغ رياضية دقيقة، بل نقول: إن فكر المفكر هنا قد اعتمد على بداهة الفطرة، ولا بد أن يكون معيار النبوغ عندئذ بين الناس هو حظ الرجل من تلك البداهة الفطرية، ولما كانت عبقرية العرب الأصيلة في لسانها، كان نبوغ النابغ مشروطا عندهم بالقدرة على الصياغة اللفظية، أما وقد تبدل العصر غير العصر، وتغير المعيار حتى أصبح النابغ يقاس بالقدرة على الصياغة الرياضية للقوانين العلمية، فلم يعد ذلك الجانب من تراثنا مطلوبا لحياتنا، دون أن يحد ذلك مقدار شعرة من قيمته الفنية الأثرية، أئذا أعجبتني عمارة الهياكل في معابد المصريين القدماء، وراعتني فخامة بنائها وشموخ عمدها وجبت علي عبادتهم وصلاتهم؟!
8
على أن بلاغة «النهج» وحكمته، لم يكونا إلا خيطين من رقعة متشابكة الخيوط هي التي أردنا تصويرها؛ لنصور بها رؤيتنا للمرحلة الأولى من مراحل العقل على طريق تراثنا الفكري، وأما ما قصدت إليه من هذه الرقعة المتشابكة الخيوط فهو أول صراع دار حول الخلافة، بين علي ومعاوية، لنرى بأعيننا مشهدا تجسد فيه تراثنا من نواح كثيرة، فهو مشهد اجتمعت فيه فصاحة العرب إلى شجاعتهم، كما ظهرت فيه أساليب الدهاة من ساستهم، وثبتت فيه بذور أولى لأفكار سياسية ومذهبية، كان لها بعد ذلك أقوى الأثر في توجيه التيارات الفكرية، وكل خيط في هذه الرقعة التي تشابكت خيوطها هو «تراث»، فإذا أحسسنا نحن المشاهدين استحسانا هنا ونفورا هناك، إذا أيدنا رجلا ضد رجل، وفكرة على حساب فكرة، كان ذلك دليلا أقوى الدليل على أن بعض التراث صالح لنا دون بعض، وأن طلاسم السحر التي أحطنا بها كلمة «التراث» حتى أوشكت على التقديس، يجب أن تفك لتبصر عيوننا أين ما يصلح من التراث لنحييه وأين ما لا يصلح لحياتنا فنوكل أمره إلى رجال التاريخ.
ونبدأ القصة من بدايتها فنقول: إنه بعد أن بويع علي في المدينة بعد مقتل عثمان، رفض العثمانية (أتباع عثمان) تأييد البيعة، وما هو إلا أن أخذ رجل منهم أصابع نائلة (امرأة عثمان) التي قطعت وقميص عثمان الذي قتل فيه، وقصد إلى الشام، حيث كانت ولاية البلاد لمعاوية، فكان معاوية يعلق قميص عثمان وفيه الأصابع، فإذا رأى ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا، وأرادوا الثأر لعثمان. وكان كلما رفع معاوية القميص والأصابع، وفتر الناس عن طلب الثأر، حرضه عمرو بن العاص أن يعيد القميص والأصابع إلى الأنظار، قائلا له: حرك لها حوارها تحن، فيعلقها.
وهكذا بقي أهل الشام، بولاية معاوية، على قلق استبد بهم، يرفضون أن يبايع للمؤمنين أمير بعد عثمان، إلا إذا أخذ القصاص من قتلته، وقد حدث أن بويع علي في المدينة، فبعث بمن يتولى إمارة الشام، لكن هذا المبعوث لم يكد يدخل أرض الشام حتى اعترضته جماعة من الفرسان من أتباع معاوية.
قالوا: من أنت؟
قال: أمير.
قالوا: على أي شيء؟
অজানা পৃষ্ঠা