জীবনের অর্থ: একটি খুবই সংক্ষিপ্ত ভূমিকা
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
ثمة شيء من هذا القبيل يسري على الحياة السياسية أيضا. فمن الواضح بلا شك أن الحل الوحيد للإرهاب هو إقامة العدالة السياسية. والإرهاب بهذا المعنى - مهما بلغ من الوحشية - ليس أمرا لاعقلانيا: فهناك حالات مثل أيرلندا الشمالية يدرك فيها من يستخدمون الإرهاب للترويج لأهدافهم وغاياتهم السياسية أن مطالبهم بالعدالة والمساواة تلبى ولو بشكل جزئي على الأقل، ويستنتجون أن استخدام الترويع والإرهاب قد أصبح الآن يأتي بنتائج عكسية، ويتفقون على نبذه. أما فيما يتعلق بالشكل القائم للإرهاب الأصولي الإسلامي، فنجد من يدعون أنه حتى لو لبيت مطالب العرب - أي إذا تم تطبيق حل عادل للقضية الفلسطينية الإسرائيلية، وتم إبعاد القواعد العسكرية الأمريكية من المنطقة العربية، وما إلى ذلك - فلسوف تستمر عمليات ذبح وتشويه المدنيين الأبرياء.
ربما ستستمر، ولكن هذا قد لا يعني أكثر من أن المشكلة قد تصاعدت الآن لتتجاوز جميع الحلول الممكنة. وليس بالضرورة أن يكون هذا حكما انهزاميا، بل واقعيا ببساطة. فالقوى الهدامة التي تنبثق من القضايا القابلة للمعالجة يمكن أن تتخذ قوة دافعة مميتة من نفسها لن يكون هناك ما يوقفها في النهاية. ربما يكون قد فات أوان إيقاف انتشار الإرهاب، وهو ما يعني عدم وجود حل لمشكلة الإرهاب؛ وهو افتراض سيكون مستحيلا على معظم السياسيين التعبير عنه علانية، ولن يكون مستساغا لدى معظم الأشخاص الآخرين، لا سيما الأمريكيين المدمنين للتفاؤل. ومع ذلك فقد تكون هذه هي الحقيقة. فلم ينبغي لأحد أن يتخيل أنه حين توجد مشكلة دائما ما يوجد حل؟
ولعل من أقوى الأسئلة المرتبطة بمعنى الحياة التي ليس لها حل متفائل هو ما يعرف بالتراجيديا. فمن بين جميع الأشكال الفنية، تعد التراجيديا هي الشكل الذي يواجه مسألة معنى الحياة بأكبر قدر من الاستقصاء والإصرار، ولديه الاستعداد لتناول أبشع الإجابات الخاصة به بشجاعة واستبسال. إن التراجيديا في أرقى صورها هي انعكاس شجاع للطبيعة الأساسية للوجود الإنساني، وتعود أصولها إلى الثقافة الإغريقية القديمة، التي تتسم فيها الحياة بأنها هشة ومحفوفة بالمخاطر، وحساسة بشكل مثير للاشمئزاز. فالعالم في منظور التراجيديين القدماء قابل للاختراق بشكل متقطع من قبل الضوء الهزيل للعقل، وأفعال الماضي تلقي بظلالها على طموحات الحاضر لخنقها في مهدها، والرجال والنساء يجدون أنفسهم يئنون في قبضة قوى انتقامية بشكل وحشي تهدد بتمزيقهم إربا. ولا يمكنك أن تأمل البقاء سوى من خلال توخي الحذر بينما تبحث عن طريق محفوف بالمخاطر لتسير فيه عبر حقل ألغام الوجود الإنساني، معلنا الولاء والتبعية لآلهة متقلبة بشكل وحشي نادرا جدا ما تستحق الاحترام الإنساني، ناهيك عن الإجلال والتوقير الديني. والقوى البشرية الأساسية التي قد تسمح لك بإيجاد موطئ قدم لك في تلك الأرض المقلقلة دائما ما تهدد بالخروج عن نطاق السيطرة، لتنقلب عليك وتطرحك أرضا. وتلك هي الظروف المخيفة التي أصدر فيها كورس مسرحية «أوديب ملكا» لسوفوكليس حكمه النهائي الكئيب: «لا تصف رجلا بأنه سعيد إلا عندما يموت خاليا من الألم في النهاية.»
قد يكون ذلك إجابة لمشكلة الوجود الإنساني، ولكنه بالكاد يعتبر حلا لها. فغالبا ما لا توجد إجابة - في منظور التراجيديا - تفسر لماذا تتعرض حياة الأفراد للتحطم والتشويه بشكل يفوق الاحتمال، أو لماذا يبدو أن الظلم والاضطهاد يتوليان دفة السيطرة في الشئون الإنسانية، أو لماذا ينخدع البشر بما يدفعهم لأكل لحم أطفالهم المذبوحين مشويا. أو بالأحرى إن الإجابة الوحيدة تكمن في المرونة التي تواجه بها هذه القضايا، والعمق والبراعة اللذين تصاغ بهما. فالتراجيديا في أقوى صورها هي سؤال بلا إجابة، مما يحرمنا بشكل متعمد من إيجاد السلوى الأيديولوجية. وإذا كانت تظهر في كل إيماءة وإشارة أن الوجود الإنساني لا يمكن أن يستمر على هذا النحو، فإنها بذلك تتحدانا لإيجاد حل لعذابه وهذا لا يعدو كونه حلقة أخرى من التفكير التواق، أو الإصلاح التدريجي، أو الإنسانية العاطفية، أو علاجا مثاليا عاما. ومن خلال تصويرها لعالم في حاجة ملحة للخلاص، فإنما تلمح في الوقت ذاته إلى أن فكرة الخلاص قد تكون مجرد وسيلة أخرى لتشتيت أنفسنا عن إرهاب يهدد بتحويلنا إلى حجارة.
7
ويذهب هايدجر في كتابه «الوجود والزمن» إلى أن البشر يتميزون عن المخلوقات الأخرى بقدرتهم على وضع وجودهم رهن التساؤل والتشكيك. فهم المخلوقات التي يمثل لها الوجود في حد ذاته - وليس مجرد سمات معينة به - إشكالية. فهذا الموقف أو ذاك قد يثبت أنه محل إشكالية لخنزير وحشي أفريقي، ولكن - بحسب النظرية - البشر هم تلك الحيوانات غريبة الأطوار التي تواجه موقفها كسؤال، أو مأزق، أو مصدر للقلق، أو باعث للأمل، أو عبء، أو هبة، أو خوف، أو سخف. ويصح ذلك بشكل خاص نظرا لوعيهم بأن وجودهم متناه، ربما على عكس الخنازير الأفريقية. فربما يكون البشر هم الحيوانات الوحيدة التي تعيش في الظل الأبدي للموت.
ومع ذلك، فهناك شيء «عصري» بشكل مميز فيما يتعلق بحجة هايدجر. وهذا الشيء بالطبع ليس أن أرسطو أو أتيلا الهوني لم يكونا على وعي بأنهما بشر فانون، رغم أن الأخير كان على الأرجح أكثر وعيا بفنائية الآخرين من فنائيته. ومن الصحيح أيضا أن البشر - لا سيما بسبب امتلاكهم للغة - لديهم القدرة على إضفاء طابع موضوعي مادي على وجودهم بطريقة لا تستطيع السلاحف اتباعها على الأرجح. بإمكاننا الحديث عن ما يسمى «الحالة البشرية»، في حين أنه من المستبعد أن تحضن السلاحف بيضها في حماية أصدافها بحكم حالتها كسلاحف. والسلاحف في هذا السياق تشبه على نحو لافت أتباع حركة ما بعد الحداثة، الذين يعتبرون فكرة الحالة البشرية فكرة غريبة بالقدر نفسه. بعبارة أخرى، تتيح لنا اللغة ليس فقط فهم أنفسنا، بل أيضا وضع تصور لموقفنا ككل. ونظرا لأننا نعيش بالرموز التي تجلب معها القدرة على التجريد، فإن بمقدورنا أن نفصل أو نبعد أنفسنا عن سياقاتنا المباشرة، ونحرر أنفسنا من سجن حواسنا الجسدية، والتفكير في الموقف الإنساني في حد ذاته. غير أن قوة التجريد - شأنها شأن النار - هبة يكتنفها الغموض؛ فهي تارة إبداعية، وتارة هدامة. وإذا أتاحت لنا التفكير في إطار مجتمعات كاملة، فإنها تتيح لنا أيضا تدميرها بالأسلحة الكيماوية.
ولا يقتضي هذا النوع من الإبعاد الانسلاخ من جلدنا، أو تأمل العالم من نقطة مراقبة أوليمبية. فالتأمل في وجودنا في العالم هو جزء من أسلوب وجودنا في هذا العالم. وحتى لو تبين أن «الموقف الإنساني في حد ذاته» مجرد سراب ميتافيزيقي، كما يصر فكر ما بعد الحداثة، فإنه يظل موضع تأمل ممكن. إذن فلا شك أن هناك معنى في زعم هايدجر. فقد تكون الحيوانات الأخرى قلقة مثلا بشأن الهروب من الوحوش الضارية، أو إطعام صغارها، ولكنها لا تظهر انزعاجها مما أطلق عليه «القلق الوجودي»: أي شعور المرء (المصحوب أحيانا بثمالة شديدة على نحو خاص) بأنه كائن سطحي بلا فائدة؛ «عاطفة بلا جدوى» بحسب تعبير جان بول سارتر.
ومع ذلك، فإن الحديث عن الخوف والقلق والغثيان والسخف وما شابه باعتبارها سمات تميز الحالة البشرية أكثر شيوعا بين فناني وفلاسفة القرن العشرين من نظرائهم في القرن الثاني عشر. فما يميز الفكر الحديث على مدار تاريخه هو الاعتقاد بأن الوجود الإنساني أمر «عرضي»؛ أي ليس له أساس أو هدف أو اتجاه أو ضرورة، وأن نوعنا البشري ربما كان من السهل ألا يكون له وجود على الكوكب مطلقا. وهذه الاحتمالية من شأنها أن تفرغ وجودنا الفعلي، مقحمة خلاله الظل الأبدي للموت والخسارة. فحتى في أكثر لحظاتنا نشوة ومرحا، نكون واعين قليلا بأن الأساس غير مستقر تحت أقدامنا؛ بمعنى أنه لا يوجد أساس موثوق لا غبار عليه لهويتنا وما نفعله، مما قد يجعل أروع لحظاتنا أكثر قيمة، أو قد يعمل على التقليل من قيمتها بشكل بالغ.
وليست هذه من وجهات النظر التي كانت لتلقى الكثير من التأييد والدعم بين فلاسفة القرن الثاني عشر، الذين كان لديهم أساس قوي للوجود الإنساني يعرف بالإله. ولكن حتى بالنسبة لهم، لم يكن ذلك يعني أن وجودنا في العالم كان ضروريا. بل إن الاعتقاد في ذلك كان ليعتبر من باب الهرطقة. فالادعاء بأن الإله يفوق خلقه يعني القول - من بين أشياء أخرى - بأنه لم يكن بحاجة لخلقه. لقد فعل ذلك من منطلق الحب، وليس من منطلق الحاجة؛ وهذا يشمل خلقنا نحن أيضا. فالوجود الإنساني لا مبرر له - أي مسألة فضل وهبة - وليس أمرا حتميا لا مفر منه. فقد كان بمقدور الإله الاستمرار والنجاح من دوننا، وكان ليحظى بحياة أكثر هدوءا وسكينة لو كان قد فعل. ومثل أب لطفل صغير مزعج، ربما وصل لحد الندم على قراره بالإقدام على الأبوة. فقد عصى البشر قوانين الإله في البداية، ومما زاد الطين بلة أنهم فقدوا إيمانهم به تماما بعد ذلك مع استمرارهم في الاستهزاء بأوامره.
অজানা পৃষ্ঠা