ম্যাকিয়াভেলি: খুব ছোট পরিচিতি
مكيافيللي: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
ولمجابهة هذا التهديد المتأصل، يقدم مكيافيللي اقتراحا دستوريا آخر، يؤكد فيه أن ثمن الحرية هو اليقظة الدائمة. فمن الضروري في المقام الأول أن ندرك إشارات الخطر، كي نعرف الوسائل التي قد يتمكن من خلالها مواطن فرد أو حزب سياسي من «اكتساب قدر من السلطة يفوق الحد الآمن» (265).
بعد ذلك، من الضروري وضع مجموعة خاصة من القوانين والتشريعات للتعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة. فالجمهورية، على حد قول مكيافيللي، «يجب أن يكون من بين قواعد «تنظيمها» السماح بمراقبة المواطنين بحيث لا يتسنى لهم فعل الشر تحت ستار الخير، وبحيث لا يكتسبون سوى ذلك النوع من الشعبية الذي يعزز الحرية ولا يلحق بها ضررا» (291). وأخيرا، من الضروري عندئذ أن تظل أعين الجميع «مفتوحة»، بحيث لا يكونون على استعداد لاكتشاف مثل هذه التوجهات المفسدة فحسب، بل أيضا لتوظيف قوة القانون في استئصال شأفتها بمجرد - أو حتى قبل - أن تبدأ تشكل مصدرا للخطر (266).
يقرن مكيافيللي بهذا التحليل فكرة أن هناك درسا دستوريا آخر بالغ الأهمية ينبغي استخلاصه من تاريخ روما المبكر؛ فلما كانت روما قد احتفظت بحريتها لأكثر من أربعمائة عام، يبدو أن مواطنيها نجحوا في اكتشاف أشد المخاطر التي كانت تتهدد حرياتهم، وشرعوا في وضع «القوانين» المناسبة للتعامل معها؛ ومن ثم، إذا أردنا أن ندرك هذه المخاطر وسبل مجابهتها، سيكون من المفيد لنا أن ننتقل ثانية إلى تاريخ الجمهورية الرومانية، سعيا للاستفادة من حكمتها القديمة وتطبيقها في العالم المعاصر.
ويوضح مثال روما أن الخطر الأول الذي يتعين على أي دستور مختلط أن يجابهه سينشأ دائما من أولئك الذين كانوا يستفيدون من النظام السابق. يقول مكيافيللي إن هذا هو الخطر الذي كان يشكله «أبناء بروتوس»، وهو يذكر هذه المشكلة لأول مرة في الفصل السادس عشر، ثم يؤكد عليها لاحقا في بداية «المطارحة» الثالثة. كان يونيوس بروتوس قد حرر روما من طغيان تاركونيوس سوبربوس، آخر ملوكها، لكن «أبناء بروتوس كانوا ممن استفادوا من استبداد الحكم» (235)، وهكذا بدا لهم أن إرساء «حرية الشعب» ليس أفضل حالا من العبودية؛ ونتيجة لذلك، جرت الاستعانة بهم «للتآمر ضد مدينتهم، لا لسبب سوى أنهم لم يكن باستطاعتهم تحقيق مكاسب غير مشروعة في ظل القناصل الجدد كما كانوا يفعلون في ظل الملوك» (236).
في مواجهة هذا النوع من المخاطر، «ليس ثمة علاج أقوى، ولا أكثر فعالية ولا أكثر ضمانة ولا أكثر ضرورة من قتل أبناء بروتوس» (236). ومكيافيللي يقر أنه قد يبدو أمرا قاسيا - ويضيف بأكثر نبراته برودا أن هذا ولا شك «مثال صادم بين الأحداث التاريخية المسجلة» - أن نقول إن بروتوس كان ينبغي له أن يكون على استعداد لأن «يجلس على مقعد الحكم ولا يكتفي بمجرد الحكم على أبنائه بالموت، بل أن يشهد مقتلهم أيضا» (424). لكنه يصر على أن هذه الصرامة لا غنى عنها في حقيقة الأمر؛ «لأن من يستفد من استبداد ولا يقتل بروتوس، ومن يحرر دولة ولا يقتل أبناء بروتوس، فلن يؤمن نفسه إلا لأمد قصير» (425).
ثمة خطر آخر على الاستقرار السياسي ينشأ من النزوع الشهير الممقوت لدى جمهوريات الحكم الذاتي نحو تشويه سمعة مواطنيها القياديين ونكران حسن صنيعهم. يلمح مكيافيللي إلى هذا العيب أولا في الفصل التاسع والعشرين، حيث يقول إن أحد أشد الأخطاء جسامة التي يمكن أن ترتكبها أي مدينة في «حق الحفاظ على حريتها»، هو أن «تلحق الأذى بالذين كان ينبغي لها أن تكافئهم.» وهذا مرض خطير إلى حد بعيد لا ينبغي أن يترك دون علاج؛ لأن من يعانون هذه الأشكال من الظلم يكونون بوجه عام في مركز قوي يؤهلهم للأخذ بثأرهم، ومن ثم يعيدون مدينتهم «بأسرع ما يمكن إلى الاستبداد، كما حدث في حالة روما مع يوليوس قيصر، الذي أخذ بالقوة ما أنكر عليه بفعل الجحود» (259).
العلاج الوحيد الممكن لذلك هو وضع «قوانين» خاصة تهدف لصرف كل حاسد وناكر للجميل عن تقويض سمعة الشخصيات البارزة، وأفضل طريقة لتنفيذ ذلك هو «إتاحة الفرصة لعرض الاتهامات» الموجهة لشخص ما على القضاء؛ وبذلك فإن أي مواطن يشعر أنه وقع ضحية افتراء، يجب أن يكون بمقدوره، «دون أدنى خوف أو تردد»، أن يطالب بمثول من اتهمه أمام المحكمة لتقديم ما يبرهن على صحة مزاعمه، فإذا تبين عندئذ، بمجرد «توجيه الاتهام الرسمي والتحقيق فيه جيدا»، أن التهم لا يمكن إثباتها، فيجب أن يفرض القانون معاقبة القاذف عقابا شديدا (215-216).
وأخيرا، يناقش مكيافيللي ما يرى أنه أشد التهديدات خطورة على توازن الدستور المختلط، والذي يتمثل في أنه ربما يحاول مواطن طموح تشكيل حزب على أساس الولاء لنفسه لا الولاء للصالح العام. يبدأ مكيافيللي بتحليل مصدر الاضطراب هذا في الفصل الرابع والثلاثين، ثم يخصص معظم ما تبقى من «المطارحة» الأولى للنظر في كيفية نشوء هذا الفساد في أغلب الأحيان، ونوعية «القوانين» اللازمة للتأكد من أن تظل بوابة الاستبداد هذه موصدة.
من الأمور التي تشجع على نمو الشقاق والانقسام السماح بطول أمد القيادة العسكرية، بل إن مكيافيللي يشير إلى أن «السلطة التي اكتسبها المواطنون» بهذه الطريقة، هي التي أدت في نهاية المطاف، أكثر من أي شيء آخر، إلى «استعباد روما» (267)، والسبب في أن «منح امرئ سلطة مطلقة لفترة ما» دائما ما «يلحق الضرر بالحرية»، هو أن السلطة المطلقة دائما ما تفسد الأشخاص بتحويلهم إلى «أصدقاء ومتحزبين» لها (270، 280)، وهو ما حدث مع جيوش روما في ظل الجمهورية المتأخرة؛ «فعندما كان يتولى مواطن ما قيادة الجيش فترة طويلة، كان يكتسب دعم هذا الجيش ويجعله مناصرا له»، إلى حد أن الجيش «في وقت ما كان ينسى «مجلس الشيوخ» ويعتبر هذا المواطن قائده» (486). حينئذ، لم يكن الأمر يتطلب سوى أن يعثر قادة مثل سولا، وماريوس، ثم يوليوس قيصر على «جنود يمكن أن يتبعوا أوامرهم، بما يتعارض مع الصالح العام» كي يشهد توازن الدستور اختلالا عنيفا لدرجة تجلب الاستبداد والطغيان في أعقابه (282، 486).
والرد المناسب على هذا الخطر ليس الخوف من فكرة السلطة الدكتاتورية نفسها؛ لأنها قد تكون أحيانا ضرورة ملحة في حالات الطوارئ الوطنية (268-269)، وإنما ينبغي أن يكون الرد بالتأكد - من خلال «القوانين» المناسبة - من أن هذه السلطات لن يساء استخدامها، وهذا يمكن تحقيقه بطريقتين رئيسيتين: ضرورة أن تكون جميع السلطات المطلقة «لفترة محدودة، لا مستديمة»، والتأكد من أن ممارسة هذه السلطات مقيدة على نحو لا يتيح لأصحابها سوى «التصرف في الشأن الذي منحت من أجله» هذه السلطات. وما دامت هذه «القوانين» تحترم وتطبق، فلن يكون هناك خطر من أن تتسبب السلطة المطلقة في «إفساد الحكم وإضعافه على الإطلاق» (268).
অজানা পৃষ্ঠা