مُقَدّمَة فِي مَعَاني الالفاظ المترادفة على النَّفس وَهِي أَرْبَعَة النَّفس وَالْقلب وَالروح وَالْعقل
أما النَّفس فَتطلق بمعنيين أَحدهمَا أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمَعْنى الْجَامِع للصفات المذمومة وَهِي القوى الحيوانية المضادة للقوى الْعَقْلِيَّة وَهُوَ الْمَفْهُوم عِنْد اطلاق الصُّوفِيَّة فَيُقَال من أفضل الْجِهَاد أَن تُجَاهِد نَفسك واليه الْإِشَارَة بقول نَبينَا ﵇ أعدى عَدوك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك
وَالثَّانِي أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ حَقِيقَة الْآدَمِيّ وذاته فَإِن نفس كل شَيْء حَقِيقَته وَهُوَ الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مَحل المعقولات وَهُوَ من عَالم الملكوت وَمن عَالم الْأَمر على مَا نبين نعم تخْتَلف أسماؤها باخْتلَاف أحوالها الْعَارِضَة عَلَيْهَا فَإِن اتجهت إِلَى صَوَاب الصَّوَاب وَنزلت عَلَيْهَا السكينات الآلهية وتواترت عَلَيْهَا نفحات فيض الْجُود الإلهي فتطمئن إِلَى ذكر الله ﷿ وتسكن إِلَى المعارف الإلهية وَتَطير إِلَى أَعلَى أفق الملكية فَيُقَال نفس مطمئنة قَالَ الله تَعَالَى ﴿يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية﴾ وان كَانَت مَعَ قواها
1 / 15
وجنودها فِي حراب وقتال وشجار ونزاع وَكَانَت الْحَرْب بَينهمَا سجالا فَتَارَة لَهَا الْيَد عَلَيْهَا وَتارَة للقوى عَلَيْهَا الْيَد فَلَا تكون حَالهَا مُسْتَقِيمَة فَتَارَة تنْزع إِلَى جَانب الْعُقُول فتتلقى المعقولات وَتثبت على الطَّاعَات وَتارَة تستولي عَلَيْهَا القوى فتهبط إِلَى حضيض منَازِل الْبَهَائِم فَهَذِهِ النَّفس نفس لوامة وَهَذِه النَّفس هِيَ حَالَة أَكثر الْخلق فَإِن من ارْتَفع إِلَى أفق الْمَلَائِكَة حَتَّى تحلى بالعلوم والفضائل النفسية والأعمال الْحَسَنَة فَهُوَ ملك جسماني لارتفاعه عَن الإنسانية وَعدم مشاركته للبشر إِلَّا بالصورة التخطيطية وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ماهذا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم
وَمن اتضع حَتَّى صَار فِي حضيض الْبَهَائِم فَلَو تصور كلب أَو حمَار منتصب الْقَامَة مُتَكَلم لَكَانَ هُوَ اياه لانسلاخه عَن الْفَضَائِل الانسانية وَعدم مشاركته للانسان إِلَّا بالصورة التخطيطية وَهَذِه هِيَ النَّفس الأمارة بالسوء
فجلهم إِذا فَكرت فيهم ... حمير أَو كلاب أَو ذئاب
وَهُوَ من الْأنس الْمَذْكُورين فِي قَوْله تَعَالَى ﴿شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ يوحي بَعضهم إِلَى بعض زخرف القَوْل غرُورًا﴾ وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ ﵁ يَا أشباه الرِّجَال وَلَا رجال فَمثل هَذِه النَّفس ترَاهُ أبدا عبدا لحجر أَو مدر أَو بَهِيمَة أَو ضعينة وَهَذَا هُوَ الَّذِي أخبر الله سُبْحَانَهُ عَنهُ فَقَالَ ﴿إِن النَّفس لأمارة بالسوء﴾
أما الْقلب فيطلق أَيْضا بمعنيين أَحدهمَا اللَّحْم الصنوبري الشكل الْمُودع فِي جَوف الْإِنْسَان من جَانب الْيَسَار وَقد عرف ذَلِك بالتشريح وَهُوَ مركب الدَّم الْأسود ومنبع البخار الَّذِي هُوَ مركب الرّوح الطبي الحيواني
1 / 16
وَهَذَا يكون لجَمِيع الْحَيَوَانَات وَلَيْسَ بخاص للانسان وَهُوَ الَّذِي يفنى بِالْمَوْتِ جَمِيع الْحَواس بِسَبَبِهِ
وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي نَحن بصدد بَيَانه هُوَ الرّوح الانساني المتحمل لأمانة الله المتحلي بالمعرفة المركوز فِيهِ الْعلم بالفطرة النَّاطِق بِالتَّوْحِيدِ بقوله بلَى فَهُوَ أصل الْآدَمِيّ وَنِهَايَة الكائنات فِي عَالم الْمعَاد قَالَ الله تَعَالَى ﴿قل الرّوح من أَمر رَبِّي﴾ وَقَالَ ﴿أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب﴾
وَقَالَ نَبينَا ﵇ إِن قُلُوب بني آدم كلهَا بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن الخ وحيثما ورد فِي الشَّرْع الْقلب فيراد بِهِ مَا نَحن بصدد بَيَانه وان أطلق فِي مَوضِع على اللَّحْم الصنوبري فَلِأَنَّهُ مُتَعَلّقه الْخَاص وَأول مُتَعَلّقه كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ إِن جَوف ابْن آدم لمضغة اذا صلحت صلح بهَا سَائِر الْجَسَد وَإِذا فَسدتْ فسد بهَا سَائِر الْجَسَد الا وَهِي الْقلب
أما الرّوح فيطلق وَيُرَاد بِهِ البخار اللَّطِيف الَّذِي يصعد من منبع الْقلب ويتصاعد إِلَى الدِّمَاغ بِوَاسِطَة الْعُرُوق أَيْضا إِلَى جَمِيع الْبدن فَيعْمل فِي كل مَوضِع بِحَسب مزاجه واستعداده عملا وَهُوَ مركب الْحَيَاة فَهَذَا البخار كالسراج والحياة الَّتِي قَامَت بِهِ كالضوء وَكَيْفِيَّة تَأْثِيره فِي الْبدن ككيفية تنوير السراج أَجزَاء الْبَيْت وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمُبْدع الصَّادِر من أَمر الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ مَحل الْعُلُوم وَالْوَحي والالهام وَهُوَ من جنس الْمَلَائِكَة مفارق للْعَالم الجسماني قَائِم بِذَاتِهِ على مَا نبين
وَيُطلق أَيْضا وَيُرَاد بِهِ الرّوح الَّذِي فِي مُقَابلَة جَمِيع الْمَلَائِكَة وَهُوَ الْمُبْدع الأول وَهُوَ روح الْقُدس
1 / 17
وَيُطلق أَيْضا وَيُرَاد بِهِ الْقُرْآن وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ عبارَة عَمَّا بِهِ حَيَاة مَا على الْجُمْلَة
أما الْعقل فيطلق وَيُرَاد بِهِ الْعقل الاول وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ بِالْعقلِ فِي قَول النَّبِي ﷺ أول مَا خلق الله الْعقل فَقَالَ لَهُ أقبل فَأقبل ثمَّ قَالَ لَهُ أدبر فَأَدْبَرَ أَي أقبل حَتَّى تستكمل بِي وَأدبر حَتَّى يستكمل بك جَمِيع الْعَالم دُونك وَهُوَ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى لَهُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خلقت خلقا أعز عَليّ وَلَا أفضل مِنْك بك آخذ وَبِك أعطي الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ بالقلم كَمَا قَالَ ﵇ ان أول مَا خلق الله الْقَلَم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَقَالَ وَمَا أكتب قَالَ مَا هُوَ كَائِن الى يَوْم الْقِيَامَة من عمل وَأثر ورزق وَأجل فَكتب مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
والاطلاق الثَّانِي أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ النَّفس الإنسانية وَالْإِطْلَاق الثَّالِث أَن يُطلق وَيُرَاد بِهِ صفة النَّفس وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّفس كالبصر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعين وَهِي بواسطته مستعدة لادراك المعقولات كَمَا أَن الْعين بِوَاسِطَة الْبَصَر مستعدة لادراك المحسوسات وَهُوَ الَّذِي قَالَ رَسُول الله ﷺ فِيهِ عَن ربه عزوجل وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأكمننك فِيمَن أَحْبَبْت
وَنحن حَيْثُ أطلقنا فِي هَذَا الْكتاب لفظ النَّفس وَالروح وَالْقلب وَالْعقل فنريد بِهِ النَّفس الانسانية الَّتِي هِيَ مَحل المعقولات
1 / 18
بَيَان اثبات النَّفس على الْجُمْلَة
النَّفس أظهر من أَن تحْتَاج الى دَلِيل فِي ثُبُوتهَا فان جَمِيع خطابات الشَّرْع تتَوَجَّه لَا على مَعْدُوم بل على مَوْجُود حَيّ يفهم الْخطاب وَلَكِن نَحن نستظهر فِي بَيَانه فَنَقُول من الْمَعْلُوم الَّذِي لَا يرتاب فِيهِ إِن الْأَشْيَاء مهما اشتركت فِي شَيْء وافترقت فِي شَيْء آخر فَإِن الْمُشْتَرك فِيهِ غير المفترق فِيهِ ونصادف كَافَّة الْأَجْسَام مُشْتَركَة فِي أَنَّهَا أجسام يُمكن أَن يفْرض فِيهَا أبعاد ثَلَاثَة متقاطعة ثمَّ نصادفها بعد ذَلِك مفترقة بالتحرك والادراك فَإِن كَانَ تحركها لأجل جسميتها فَيَنْبَغِي أَن يكون كل جسم متحركا لِأَن الْحَقَائِق لَا تخْتَلف وَمَا يجب لنَوْع يجب لجَمِيع مَا يُشَارِكهُ فِي ذَلِك النَّوْع وَتلك الْحَقِيقَة وان كَانَ لِمَعْنى وَرَاء الجسمية فقد ثَبت على الْجُمْلَة مبدأ للْفِعْل فَذَلِك المبدأ هُوَ النَّفس إِلَى أَن يتَبَيَّن انه جَوْهَر أَو عرض مِثَال ذَلِك أَنا نرى الْأَجْسَام النباتية تغتذي وتنمو وتولد الْمثل وتتحرك حركات مُخْتَلفَة من التشعيب والتعريق فَهَذِهِ الْمعَانِي ان كَانَت للجسمية فَيَنْبَغِي أَن تكون جَمِيع الْأَجْسَام كَذَلِك وان كَانَت لغير الجسمية بل لِمَعْنى زَائِد فَذَلِك الْمَعْنى يُسمى نفسا نباتية ثمَّ الْحَيَوَان فِيهِ مَا فِي النَّبَات ويحس ويتحرك بالإرادة ويهتدي إِلَى مصَالح نَفسه وَله طلب لما ينفع وهرب عَمَّا يضر فنعلم قطعا أَن فِيهِ معنى زَائِدا على الْأَجْسَام النباتية ثمَّ نجد الانسان
1 / 19
فِيهِ جَمِيع مَا فِي النَّبَات وَالْحَيَوَان من الْمعَانِي ويتميز بادراك الْأَشْيَاء الْخَارِجَة عَن الْحس مثل أَن الْكل أعظم من الْجُزْء فيدرك الجزئيات بالحواس الْخمس وَيدْرك الكليات بالمشاعر الْعَقْلِيَّة ويشارك الْحَيَوَان فِي الْحَواس ويفارقه فِي المشاعر الْعَقْلِيَّة فَإِن الانسان يدْرك الْكُلِّي من كل جزئي وَيجْعَل ذَلِك الْكُلِّي مُقَدّمَة قِيَاس ويستنتج مِنْهُ نتيجة فَلَا الادراك الْكُلِّي يُنكر وَلَا الْمدْرك لذَلِك يجْحَد وَلَا الْعرض وَلَا الْجِسْم الْقَابِل لعرض وَلَا النَّبَات وَلَا الْحَيَوَان غير الانسان يدْرك الْكُلِّي حَتَّى يقوم بِهِ الْكُلِّي فينقسم بأقسام الْجِسْم إِذْ الْكُلِّي لَهُ وَحده خَاصَّة من حَيْثُ هُوَ كلي لَا يَنْقَسِم الْبَتَّةَ فَلَا يكون للانسان الْمُطلق الْكُلِّي نصف وَثلث وَربع فقابل الصُّورَة الْكُلية جَوْهَر لَا جسم وَلَا عرض فِي جسم وَلَا وضع لَهُ وَلَا أَيْن لَهُ فيشار إِلَيْهِ بل وجوده وجود عَقْلِي أخْفى من كل شَيْء عِنْد الْحس وَأظْهر من كل شَيْء لِلْعَقْلِ فَثَبت بِهَذَا وجود النَّفس وَثَبت على الْجُمْلَة أَنه جَوْهَر وَثَبت أَنه منزه عَن الْمَادَّة والصور الجسمانية
تَقْسِيم يظْهر فِيهِ مباديء الْأَفْعَال
فَنَقُول كل مبدأ يصدر مِنْهُ فعل فاما أَن يكون لَهُ شُعُور بِفِعْلِهِ أَو لم يكن فان لم يكن لَهُ شُعُور فَأَما أَن يكون فعله متحدا على نسق وَاحِد وَإِمَّا أَن يكون مُخْتَلفا وَإِن كَانَ لَهُ شُعُور فاما أَن يكون تعقل أَو لم يكن فان كَانَ لَهُ تعقل فاما أَن يكون فعله متحدا على نسق وَاحِد وَإِمَّا أَن يكون مُخْتَلفا فَهَذِهِ خَمْسَة أَقسَام فَمَا كَانَ فعله متحدا وَلَيْسَ لَهُ شُعُور فَذَلِك المبدأ يُسمى مبدأ طبيعيا كَمَا فِي الْأَجْسَام الثَّقِيلَة من الهبوط وَفِي الْخَفِيفَة من الصعُود وان كَانَ فعله مُخْتَلفا وَلَيْسَ لَهُ شُعُور فَهُوَ النَّفس النباتي فان النَّبَات يَتَحَرَّك حركات مُخْتَلفَة
1 / 20
وان كَانَ لَهُ شُعُور وَلَيْسَ لَهُ تعقل فَهُوَ النَّفس الحيواني وان كَانَ لَهُ تعقل وَمَعَ التعقل اخْتِيَار فِي الْفِعْل وَالتّرْك فَهُوَ النَّفس الإنساني وان كَانَ لَهُ تعقل وَفعله على نهج وَاحِد غير مُخْتَلف فَهُوَ النَّفس الفلكي
رسوم النُّفُوس الثَّلَاثَة
فنرسم النُّفُوس الثَّلَاثَة بمراسمها فَإِن شَرَائِط الْحَد الْحَقِيقِيّ مُتَعَذر الْوُجُود هَهُنَا بل وَفِي كل الموجودات
فَنَقُول أما النَّفس النباتية فَهِيَ الْكَمَال الأول لجسم طبيعي آلي من جِهَة مَا يتغذى وينمو ويولد الْمثل
وَأما النَّفس الحيوانية فَهِيَ الْكَمَال الأول لجسم طبيعي آلي من جِهَة مَا يدْرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة
وَأما النَّفس الانسانية فَهِيَ الْكَمَال الأول لجسم طبيعي آلي من جِهَة مَا يفعل الأفاعيل بالأختيار الْعقلِيّ والاستنباط بِالرَّأْيِ وَمن جِهَة مَا يدْرك الْأُمُور الْكُلية
وَقَوْلنَا الْكَمَال الأول أَي من غير وَاسِطَة كَمَال آخر لِأَن الْكَمَال قد يكون أَولا وَقد يكون ثَانِيًا
وَقَوْلنَا لجسم طبيعي أَي غير صناعي لَا فِي الأذهان بل فِي الْأَعْيَان
وَقَوْلنَا آلي أَي ذِي آلَات يَسْتَعِين بهَا ذَلِك الْكَمَال الأول فِي تَحْصِيل الكمالات الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَلَفظ الْكَمَال أولى من لفظ الْقُوَّة لِأَن الْقُوَّة تكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يصدر عَنْهَا من الْأَفْعَال أَو بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا تقبله من الصُّور المحسوسة والمعقولة واطلاق لفظ الْقُوَّة عَلَيْهِمَا يكون باشتراك الِاسْم فَيكون الْحَد مُشْتَمِلًا على لفظ مُشْتَرك وَإِن عني بِالْحَدِّ أَحدهمَا كَانَ الْحَد نَاقِصا
1 / 21
وَلَفظ الْكَمَال يَشْمَل القوتين بالتواطؤ فَهُوَ أولى فان قيل إِنَّه صُورَة كَانَ ذَلِك بالاضافة إِلَى الْمَادَّة الَّتِي تحلها فيجتمع مِنْهُمَا جَوْهَر نباتي أَو حيواني
وَلَفظ الْكَمَال بِالْقِيَاسِ إِلَى جملَة الْجَوَاهِر ولاستكمال الْجِنْس بِهِ نوع مُحَصل فِي الْأَنْوَاع وَهُوَ نِسْبَة الْخَاص إِلَى الشَّيْء الْعَام الْغَيْر الْبعيد من جوهره فَهُوَ أولى من لفظ الصُّورَة وَيجب أَن يعلم أَنه إِذا قيل نفس أَي اطلق على صُورَة الْفلك وعَلى صُورَة النَّبَات وَالْحَيَوَان والانسان فَإِنَّمَا يُقَال باشتراك الِاسْم فان النُّفُوس الفلكية لَيست تفعل بآلات وَلَا الْحَيَاة فِيهَا حَيَاة التغذي والنمو وَلَا احساسها احساس الْحَيَوَان وَلَا نطقها نطق الانسان
1 / 22
بَيَان أَن النَّفس جَوْهَر وَذَلِكَ ثَابت من جِهَة الشَّرْع وَالْعقل
أما الشَّرْع فَجَمِيع خطابات الشَّرْع تدل على أَن النَّفس جَوْهَر وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَات الْوَارِدَة فِي الشَّرْع بعد الْمَمَات تدل على أَن النَّفس جَوْهَر فان الْأَلَم وَإِن حل بِالْبدنِ فلأجل النَّفس ثمَّ للنَّفس عَذَاب آخر يَخُصُّهُ وَذَلِكَ كالخزي وَالْحَسْرَة وألم الْفِرَاق وَكَذَلِكَ مَا يدل على بَقَائِهِ على مَا سنبين فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما من حَيْثُ الْعقل فَمن وَجْهَيْن وَجه عَام يُمكن اثباته مَعَ كل أحد وَوجه خَاص يتفطن لَهُ أهل الْخُصُوص والانصاف
أما الأول فَهُوَ أَن يعلم أَن حَقِيقَة الانسان لَيْسَ عبارَة عَن الْجِسْم فَحسب فانه انما يكون انسانا إِذا كَانَ جوهرا وَأَن يكون لَهُ امتداد فِي أبعاد تفرض طولا وعرضا وعمقا وَأَن يكون مَعَ ذَلِك ذَا نفس وَأَن تكون نَفسه نفسا يغتذي بهَا ويحس ويتحرك بالإرادة وَمَعَ ذَلِك يكون بِحَيْثُ يصلح لِأَن يتفهم المعقولات ويتعلم الصناعات ويعملها إِن لم يكن عائق من خَارج لَا من جِهَة الانسانية فَإِذا التأم جَمِيع هَذَا حصل من جُمْلَتهَا ذَات وَاحِدَة هِيَ ذَات الانسان فاذا ثَبت بِهَذَا أَن حَقِيقَة الانسان لَا تكون عرضا لِأَن الْأَعْرَاض يجوز أَن
1 / 23
تتبدل والحقيقة بِعَينهَا بَاقِيَة فان الْحَقَائِق لَا تتبدل فَإِذا مَا هُوَ ثَابت فِيك مذ كنت فَهُوَ نَفسك ومايطرأ عَلَيْك وَيَزُول فَهُوَ الْأَعْرَاض
وَأما الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ الْبَيَان الْخَاص فَهُوَ الَّذِي يصلح لأهل الفطانة وَمن فِيهِ لطف الْفَهم والاصابة فَهُوَ انك إِذا كنت صَحِيحا مطرحا عَنْك الْآفَات مجنبا عَنْك صدمات الْهوى وَغَيرهَا من الطوارق والآفات فَلَا تتلامس أعضاؤك وَلَا تتماس أجزاؤك وَكنت فِي هَوَاء طلق أَي معتدل فَفِي هَذِه الْحَالة أَنْت لَا تغفل عَن إنيتك وحقيقتك بل وَفِي النّوم أَيْضا فَكل من لَهُ فطانة ولطف وكياسة يعلم أَنه جَوْهَر وانه مُجَرّد عَن الْمَادَّة وعلائقها وانه لَا تعزب ذَاته عَن ذَاته لِأَن معنى التعقل حُصُول مَاهِيَّة مُجَرّدَة للعاقل وذاته مُجَرّدَة لذاته فَلَا يحْتَاج إِلَى تَجْرِيد وتقشير وَلَيْسَ هَهُنَا مَاهِيَّة ثمَّ معقولية بل ماهيته معقوليته ومعقوليته ماهيته وَهَذِه نُكْتَة نفيسة عَظِيمَة وستقف عَلَيْهَا ان شَاءَ الله اشرح من هَذَا
ثمَّ الدَّلِيل على صِحَة هَذَا الْبَيَان الْخَاص أَنه لَو لم يكن الْمدْرك والمشعور بِهِ هُوَ حقيقتك أَي نَفسك بل يكون هُوَ الْبدن وعوارضه لَكَانَ لَا يَخْلُو إِمَّا ان يكون الشُّعُور بِهِ جملَة بدنك أَو بعضه وَبَطل أَن تكون الْجُمْلَة لِأَن الانسان فِي الْفَرْض الْمَذْكُور قد يكون غلا عَن جملَة الْبدن وَهُوَ مدرك نَفسه وان كَانَ بَعْضًا مِنْهُ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ظَاهرا أَو بَاطِنا فان كَانَ ظَاهرا فَهُوَ مدرك بالحس وَالنَّفس غير مدركة بالحس كَيفَ وَنحن فِي الْفَرْض الْمَذْكُور قد أَغْفَلنَا الْحَواس عَن أفعالها وفرضنا أَن الاعضاء لَا تتماس وان كَانَ النَّفس والذات عضوا بَاطِنا من قلب أَو دماغ فَلَا يجوز أَيْضا لِأَن الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة انما يُوصل اليها بالتشريح فَثَبت أَن مدركك لَيْسَ شَيْئا من هَذِه الْأَشْيَاء فانك قد لَا تدركها وتدرك ذاتك ضَرُورَة فَمَا ألجئت إِلَى ادراكه ضَرُورَة لَا يكون قطعا مَا لَا يدْرك إِلَّا بِالنّظرِ فاذا ثَبت بِهَذَا أَن ذاتك لَيْسَ من عداد ماتدركه بالحس أَو مِمَّا يشبه الْحس بِوَجْه من الْوُجُوه
1 / 24
زِيَادَة ايضاح من جِهَة الادراك
فَنَقُول إِنَّك تدْرك فِي جَمِيع الْأَحْوَال ذاتك فَمَاذَا تدْرك فَإِنَّهُ لَا بُد من مدرك فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون أحد مشاعرك ظَاهرا أَو عقلك أَو قُوَّة غير مشاعرك فَإِن كَانَ عقلك فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ذَلِك الادراك بوسط أَو بِقِيَاس أَو بِقُوَّة متوسطة بَين الادراك وَالنَّفس أَو بِغَيْر وسط وَمَا أَظُنك تفْتَقر فِي ذَلِك الى وسط فَإِنَّهُ لَو كَانَ ثمَّ وسط لما أدْركْت ذاتك ٤ فانه لَا وسط بَين ذاتك وشعورك بذاتك فَبَقيَ أَن تدْرك بِغَيْر وسط واذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ذَلِك الادراك بمشاعرك أَو بذاتك وَلَا يتَصَوَّر أَن يكون بمشاعرك فَإِن الْحَواس لَا تدْرك إِلَّا الْأَجْسَام وَمَا يتَعَلَّق بالأجسام من الألوان والنغمات وَغير ذَلِك فَبَقيَ أَنَّك تدْرك ذاتك بذاتك فَمن هَذَا ثَبت أَنَّك جَوْهَر مفارق
وَهَذَا الْبَيَان الْخَاص إِمَّا ضائع وَإِمَّا قَاطع ضائع للمغفلين الَّذين لم يلحظوا إِلَّا بِعَين السخط فَإِن من يلحظ مُقَدّمَة بِعَين السخط كَانَ الشَّك أسْرع اليه من المَاء الى الحدور أما للمستبصرين فَهُوَ قَاطع
فَإِن قَالَ قَائِل إِنَّمَا أثبت ذاتي بوسط وَذَلِكَ الْوسط هُوَ فعل من أفعالي فأستدل بأفعالي على وجود النَّفس فَالْجَوَاب عَن هَذَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا ان هَذَا لَا يتمشى فِي الْفَرْض الْمَذْكُور فانا جعلناك بمعزل عَن الْأَفْعَال وَمَعَ هَذَا تثبت ذاتك وانيتك وَالثَّانِي ان هَذَا الْفِعْل إِمَّا ان تثبته فعلا مُطلقًا فَيجب ان تثبت بِهِ فَاعِلا مُطلقًا لَا نَفسك وان أثْبته فعلا مُطلقًا فَيجب ان تثبت بِهِ فَاعِلا مُطلقًا لَا نَفسك وَإِن اثبته فعلك وخصصته بالاضافة فقد اثْبتْ اولا نَفسك وادركت اولا ذاتك فَإنَّك اخذت ذاتك جُزْءا من فعلك والشعور بالجزء قبل الشُّعُور بِالْكُلِّ اولا اقل من ان يكون مَعَه فذاتك إِذا مثبتة مَعَه اَوْ قبله لَا بِهِ وَهَذَا فصل لطيف يبتنى عَلَيْهِ بَاب من الْمعرفَة شرِيف كَمَا سنذكر ان شَاءَ الله تَعَالَى
1 / 25
بَيَان أَن النَّفس لَيْسَ لَهَا مِقْدَار ومساحة وَلَا تدْرك حسا وَلَا يُدْرِكهَا جسم وَأَن إِدْرَاكهَا لَا يكون بآلات جسمانية فِي حَال
وَهَذَا أدق واعصى على الأذهان الزائغة عَن الجادة الآلفة بالخيالات والموجودات الحسية وَلنَا أَن نتوسل إِلَى هَذَا الْمَقْصُود ببراهين قَاطِعَة وَدَلَائِل وَاضِحَة
الْبُرْهَان الأول
أَن نقُول مَعْلُوم إِنَّا نتلقى المعقولات وندرك الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تدخل فِي الْحس والخيال والمعقول مُتحد فلوحل فِي منقسم لانقسم المتحد وَهَذَا محَال وتحقيقه هُوَ أَنه لَو كَانَ النَّفس ذَا مِقْدَار وَحل فِيهِ مَعْقُول فَأَما أَن يحل فِي شَيْء منقسم أَو فِي شَيْء غير منقسم وَمَعْلُوم أَن غير المنقسم انما هُوَ طرف الْخط وَهُوَ نِهَايَة مَالا تميز لَهَا فِي الْوَضع عَن الْخط والمقدار الَّذِي هِيَ مُتَّصِلَة بِهِ حَتَّى يسْتَقرّ فِيهَا شَيْء من غير أَن يكون فِي شَيْء من ذَلِك الْخط بل كَمَا أَن النقطة لَا تنفرد بذاتها وانما هِيَ طرف ذاتي لما هُوَ بِالذَّاتِ مِقْدَار كَذَلِك انما يجوز أَن يُقَال بِوَجْه مَا أَنه يحل فِيهَا طرف شَيْء حَال فِي الْمِقْدَار الَّذِي هِيَ طرفه متقدر بِالْعرضِ فَكَمَا أَنه يتَقَدَّر بِهِ بِالْعرضِ كَذَلِك يتناهى بِالْعرضِ مَعَ النقطة وَلَو كَانَت النقطة مُنْفَرِدَة تقبل شَيْئا من الْأَشْيَاء لَكَانَ يتَمَيَّز لَهَا ذَات
1 / 27
وَكَانَت النقطة حِينَئِذٍ ذَات جِهَتَيْنِ جِهَة مِنْهَا تلِي الْخط وجهة مِنْهَا مُخَالفَة لَهُ مُقَابلَة فَتكون تِلْكَ النقطة نِهَايَة الْخط لَا هَذِه
وَالْكَلَام فِيهَا وَفِي هَذِه النقطة وَاحِد وَيُؤَدِّي هَذَا إِلَى أَن تكون النقطة متشافعة فِي الْخط إِمَّا متناهية وَإِمَّا غير متناهية وَهَذَا أَمر قد بَان فِي مَوْضِعه استحالته ونشير إِلَى رمز مِنْهُ فَنَقُول إِن النقطتين حِينَئِذٍ اللَّتَيْنِ تطبقان بِنُقْطَة وَاحِدَة من جنبتيها إِمَّا أَن تكون هَذِه النقطة المتوسطة تحجز بَينهمَا فَلَا تتماسان فَيلْزم حِينَئِذٍ فِي البديهة الْعَقْلِيَّة الأولية أَن يكون كل وَاحِدَة مِنْهُمَا يخْتَص بِشَيْء من الْوُسْطَى يماسه فتنقسم حِينَئِذٍ الْوُسْطَى وَهَذَا محَال وَإِمَّا أَن تكون الْوُسْطَى لَا تحجز المكتنفتين عَن التمَاس فَحِينَئِذٍ تكون الصُّورَة المعقولة حَالَة فِي جَمِيع النقط وَجَمِيع النقط كنقطة وَاحِدَة وَقد وَضعنَا هَذِه النقطة الْوَاحِدَة الْمُنْفَصِلَة عَن الْخط فللخط من جِهَة مَا ينْفَصل عَنْهَا طرف وَنِهَايَة بهَا ينْفَصل عَنْهَا فَتلك النقطة تكون مباينة لهَذِهِ فِي الْوَضع
وَقد وضعت النقط كلهَا مُشْتَركَة فِي الْوَضع هَذَا خلف فقد بَطل إِذا أَن يكون مَحل المعقولات من الْجِسْم شَيْئا غير منقسم فَبَقيَ أَن يكون من الْجِسْم شَيْئا منقسما فلنفرض صُورَة معقولة فِي شَيْء منقسم فَإِذا فَرضنَا فِي الشَّيْء المنقسم انقساما عرض للصورة أَن تَنْقَسِم فَحِينَئِذٍ لايخلو إِمَّا ان يكون الجزءان متشابهين أَو غير متشابهين فاذا كَانَا متشابهين فَكيف يجْتَمع مِنْهُمَا مَا لَيْسَ بهما إِلَّا أَن يكون ذَلِك الشَّيْء شَيْئا يحصل فيهمَا من جِهَة الْمِقْدَار وَالزِّيَادَة فِي الْعدَد لَا من جِهَة الصُّورَة فَتكون حِينَئِذٍ الصُّورَة المعقولة شكلا مَا أَو عددا مَا وَلَيْسَ كل صُورَة معقولة شكلا وَتصير حِينَئِذٍ الصُّورَة خيالية لَا عقلية
وَأظْهر من ذَلِك أَنه لَيْسَ يُمكن أَن يُقَال إِن كل وَاحِد من الجزأين هُوَ بِعَيْنِه الْكل فِي الْمَعْنى لِأَن الثَّانِي إِذا كَانَ غير دَاخل فِي معنى الْكل فَيجب أَن نضع فِي الِابْتِدَاء لِمَعْنى الْكل هَذَا الْوَاحِد لَا كليهمَا وان كَانَ دَاخِلا فِي مَعْنَاهُ فَمن الْبَين
1 / 28
الْوَاضِح أَن الْوَاحِد مِنْهُمَا وَحده لَيْسَ يدل على نفس معنى التَّمام وان كَانَا غير متشابهين فَلْينْظر كَيفَ يُمكن أَن تكون الصُّورَة المعقولة أَجزَاء غير متشابهة فَإِنَّهُ لَيْسَ يُمكن أَن تكون الاجزاء الْغَيْر المتشابهة إِلَّا أَجزَاء الْحَد الَّتِي هِيَ الْأَجْنَاس والفصول وَيلْزم من هَذَا محالات مِنْهَا أَن كل جُزْء من الْجِسْم يقبل الْقِسْمَة أَيْضا فَيجب أَن تكون الْأَجْنَاس والفصول بِالْقُوَّةِ غير متناهية
وَقد صَحَّ أَن الْأَجْنَاس والفصول الذاتية للشَّيْء الْوَاحِد لَيست فِي الْقُوَّة غير متناهية وَلِأَنَّهُ لَيْسَ يُمكن أَن يكون توهم الْقِسْمَة يفرز الْجِنْس والفصل بل مِمَّا لَا نشك فِيهِ أَنه إِذا كَانَ هُنَاكَ جنس وَفصل يستحقان تميزا فِي الْمحل أَن ذَلِك التميز لَا يتَوَقَّف على توهم الْقِسْمَة فَيجب أَن تكون الْأَجْنَاس والفصول بِالْفِعْلِ ايضا غير متناهية وَقد صَحَّ أَن الْأَجْنَاس والفصول أَو أَجزَاء الْحَد للشَّيْء الْوَاحِد متناهية من كل وَجه وَلَو كَانَت غير متناهية بِالْفِعْلِ هَهُنَا لكَانَتْ توجب أَن يكون الْجِسْم الْوَاحِد انْفَصل بأجزاء غير متناهية بِالْفِعْلِ وَأَيْضًا لتكن الْقِسْمَة وَقعت من جِهَة فأفرزت من جَانب جِنْسا وَمن جَانب فصلا فَلَو غَيرنَا الْقِسْمَة كَانَ يَقع مِنْهَا فِي جَانب نصف جنس وَنصف فصل أَو كَانَ يَنْقَلِب وَكَانَ فَرضنَا الوهمي يَدُور مقَام الْجِنْس والفصل فِيهِ على أَن ذَلِك أَيْضا لَا يُغني فانه يمكننا أَن نوقع قسما فِي قسم وَأَيْضًا كل مَعْقُول يُمكن أَن يقسم إِلَى معقولات أبسط فَإِن هَهُنَا معقولات هِيَ أبسط المعقولات ومبادىء التَّرْكِيب فِي سَائِر المعقولات فَلَيْسَ لَهَا لَا أَجنَاس وَلَا فُصُول وَلَا هِيَ منقسمة فِي الْكمّ وَلَا هِيَ منقسمة فِي الْمَعْنى كالوحدة وَالْعلَّة وَغير ذَلِك فاذا لَيْسَ يُمكن أَن تكون الْأَجْزَاء الْمَفْرُوضَة فِيهِ أَجزَاء متشابهة كل وَاحِد مِنْهَا هُوَ فِي معنى الْكل وَإِنَّمَا يحصل الْكل بالاجتماع فَقَط وَلَا أَيْضا يُمكن أَن تكون غير متشابهة فَلَيْسَ يُمكن أَن تَنْقَسِم الصُّورَة المعقولة وَلَا أَن تحل طرفا من الْمَقَادِير غير منقسم تبين أَن مَحل المعقولات جَوْهَر لَيْسَ بجسم وَلَا أَيْضا قُوَّة فِي جسم فيلحقه مَا يلْحق الْجِسْم من الانقسام ثمَّ يتبعهُ سَائِر المحالات
الْبُرْهَان الثَّانِي
أَن نقُول الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة هُوَ ذَات تجرد المعقولات عَن الْكمّ
1 / 29
الْمَحْدُود والأين والوضع وَسَائِر عوارض الْجِسْم فَيجب أَن نَنْظُر فِي ذَات هَذِه الصُّورَة الْمُجَرَّدَة عَن الْوَضع كَيفَ هِيَ مُجَرّدَة عَنهُ أبالقياس إِلَى الشَّيْء الْمَأْخُوذ مِنْهُ أَو بِالْقِيَاسِ إِلَى الشَّيْء الْآخِذ أَعنِي هَذِه الذَّات المعقولة تتجرد عَن الْوَضع فِي الْوُجُود الْخَارِجِي أَو فِي الْوُجُود المتصور فِي الْجَوْهَر الْعَاقِل ومحال أَن يكون كَذَلِك فِي الْوُجُود الْخَارِجِي فَبَقيَ أَن يكون انما هُوَ مفارق للوضع والأين عِنْد وجوده فِي الْعقل فَإِذا إِذا وجدت فِي الْعقل لم تكن ذَات وضع وبحيث يَقع اليها إِشَارَة تجزؤ وانقسام أَو شَيْء مِمَّا أشبه هَذَا الْمَعْنى فَلَا يُمكن أَن يكون فِي جسم
الْبُرْهَان الثَّالِث
إِذا انطبعت الصُّورَة الأحدية الْغَيْر المنقسمة الَّتِي لِأَشْيَاء غير منقسمة فِي الْمَعْنى فِي مَادَّة منقسمة ذَات جِهَات فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن لَا تكون لَهَا وَلَا لشَيْء من أَجْزَائِهَا الَّتِي تفرض فِيهَا بِحَسب جهاتها نِسْبَة إِلَى الشَّيْء الْمَعْقُول الْوَاحِد الذَّات الْغَيْر المنقسم المتجرد عَن الْمَادَّة أَو تكون تِلْكَ النِّسْبَة لكل وَاحِد من أَجْزَائِهَا الَّتِي تفرض أَو تكون لبعضها دون بعض فان لم يكن لشَيْء مِنْهَا نِسْبَة فَلَيْسَتْ لبعضها وَلَا لكلها لَا محَالة نِسْبَة فَيَنْبَغِي أَن لاتدرك وَأَن لَا يكون بَين هَذَا الْمَعْقُول ومعقول آخر فرق وَلَيْسَ كَذَلِك فانا نجد تفرقه ضَرُورِيَّة وان كَانَ لبعضها دون بعض نِسْبَة فالبعض الَّذِي لَا نِسْبَة لَهُ لَيْسَ هُوَ من مَعْنَاهُ فِي شَيْء وَيلْزم أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد مَجْهُولا ومعقولا بِالْقِيَاسِ إِلَى البعضين وَهَذَا محَال وَإِن كَانَ لكل جُزْء يفْرض نِسْبَة فإمَّا أَن تكون لكل جُزْء يفْرض نِسْبَة إِلَى الذَّات الْمَعْقُول بأسرها أَو إِلَى جُزْء من الذَّات الْمَعْقُول فَإِن كَانَ لكل جُزْء يفْرض إِلَى الذَّات بأسرها نِسْبَة فَلَيْسَتْ الْأَجْزَاء إِذا أَجزَاء معنى الْمَعْقُول بل كل وَاحِد مِنْهَا مَعْقُول فِي نَفسه مُفْرد وان كَانَ كل جُزْء لَهُ نِسْبَة غير نِسْبَة الآخر إِلَى الذَّات فمعلوم أَن الذَّات منقسمة فِي الْمَعْقُول وَقد وضعناها غير منقسمة هَذَا خلف وَمن هَذَا تبين أَن الصُّورَة المنطبعة فِي
1 / 30
الْمَادَّة لَا تكون إِلَّا اشباحا لأمور جزئية منقسمة لكل جُزْء مِنْهَا نِسْبَة بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ أَو بِالْقُوَّةِ إِلَى جُزْء مِنْهَا
فان قيل منشأ التلبيس فِي هَذَا الْبُرْهَان قَوْلكُم إِن الْمَعْنى الْمَعْقُول ان كَانَ لَهُ نِسْبَة إِلَى بعض الذَّات فَيكون الْبَعْض الآخر لَيْسَ من معنى الْمَعْقُول فِي شَيْء وَنحن هَكَذَا نقُول فَإِن الْمدْرك منا هُوَ جُزْء وَذَلِكَ الْجُزْء لَا يَنْقَسِم وَهُوَ الْمُسَمّى بالجوهر الْفَرد
قُلْنَا أَنْتُم بَين أَمريْن إِمَّا ان تَقولُوا نِسْبَة الْمَعْقُول إِلَى بعض منقسم أَو إِلَى بعض غير منقسم فَإِن كاننسبته إِلَى بعض منقسم فاذا قسمنا يلْزم انقسام الْمَعْقُول وَيعود الْبُرْهَان الأول بِعَيْنِه وان قُلْتُمْ ينتسب إِلَى جُزْء لَا يَنْقَسِم فَكل جُزْء من الْجِسْم منقسم وَقد برهنا على ذَلِك وَله براهين هندسية لَيْسَ هَهُنَا مَوضِع ذكرهَا
الْبُرْهَان الرَّابِع
أَن نقُول إِن الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة لَو كَانَت تعقل بالآلة الجسدانية حَتَّى يكون فعلهَا انما يستتم بِاسْتِعْمَال تِلْكَ الْآلَة الجسدانية لَكَانَ يجب أَن لَا تعقل ذَاتهَا وان لَا تعقل الْآلَة وان لَا تعقل انها عقلت فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينهَا وَبَين ذَاتهَا آلَة وَلَيْسَ بَينهَا وَبَين آلتها آلَة وَلَا بَينهَا وَبَين أَنَّهَا عقلت آلَة لَكِنَّهَا تعقل ذَاتهَا وآلتها وَالَّتِي تدعى آلتها وَأَنَّهَا عقلت فَإِذا تعقل بذاتها لَا بالآلة وَأَيْضًا لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون تعقلها آلتها إِمَّا لوُجُود ذَات صُورَة آلتها وَإِمَّا أُخْرَى مُخَالفَة لَهَا وَهِي صُورَة أَيْضا فِيهَا وَفِي آلتها أَو لوُجُود صُورَة آلتها فصورة آلتها فِي آلتها بِالشّركَةِ دَائِما فَيجب أَن تعقل آلتها دَائِما الَّتِي كَانَت تعقل لوُجُود صُورَة آلتها وان كَانَ لوُجُود صُورَة غير تِلْكَ الصُّورَة فَإِن الْمُغَايرَة بَين أَشْيَاء تدخل فِي حد وَاحِد إِمَّا لاخْتِلَاف الْموَاد والأعراض وَإِمَّا لاخْتِلَاف مَا بَين الْكُلِّي والجزئي والمجرد عَن الْمَادَّة والوجود فِي الْمَادَّة وَلَيْسَ هَهُنَا اخْتِلَاف مواد وأعراض فَإِن الْمَادَّة وَاحِدَة والاعراض وَاحِدَة وَلَيْسَ هَهُنَا
1 / 31
اخْتِلَاف بالتجريد والوجود فِي الْمَادَّة فَإِن كليهمَا فِي الْمَادَّة وَلَيْسَ هَهُنَا اخْتِلَاف الْخُصُوص والعموم لِأَن أَحدهمَا انما يَسْتَفِيد الْجُزْئِيَّة بِسَبَب الْمَادَّة الْجُزْئِيَّة واللواحق الَّتِي تلحقها من جِهَة الْمَادَّة الَّتِي فِيهَا وَهَذَا الْمَعْنى لَا يخْتَص بِأَحَدِهِمَا دون الآخر وَأما ذَات النَّفس فانها تدْرك دَائِما وجودهَا لَا شَيْئا من الْأَجْسَام الَّتِي مَعهَا وفيهَا وَلَا يجوز أَن يكون لوُجُود صُورَة أُخْرَى معقولة غير صُورَة آلتها فان هَذَا أَشد اسْتِحَالَة لِأَن الصُّورَة المعقولة إِذا حلت الْجَوْهَر الْعَاقِل جعلته عَاقِلا لما تِلْكَ الصُّورَة صورته أَو لما تِلْكَ الصُّورَة مُضَافَة اليه فَتكون صُورَة الْمُضَاف دَاخِلَة فِي هَذِه الصُّورَة وَهَذِه الصُّورَة المعقولة لَيست صُورَة هَذِه الْآلَة وَلَا أَيْضا صُورَة شَيْء مُضَاف اليها بِالذَّاتِ لِأَن ذَات هَذِه الْآلَة جَوْهَر وَنحن انما نَأْخُذ ونعتبر صُورَة ذَاته والجوهر فِي ذَاته غير مُضَاف الْبَتَّةَ فَهَذَا برهَان عَظِيم على أَنه لَا يجوز أَن يدْرك الْمدْرك للآلة الَّتِي هِيَ آلَته فِي الْإِدْرَاك وَلِهَذَا فان الْحس انما يحس شَيْئا خارجيا وَلَا يحس ذَاته وَلَا فعله وَلَا آلَته بل إِن تخيل آلَته تخيلها لَا على نَحْو يَخُصُّهُ بِأَنَّهُ لَا محَالة لَهُ دون غَيره إِلَّا أَن يكون الْحس يُورد عَلَيْهِ صُورَة آلَته لَو أمكن فَيكون حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَحْكِي خيالا مأخوذا عَن الْحس غير مُضَاف عِنْده إِلَى شَيْء حَتَّى لَو لم تكن آلَته كَذَلِك لم يتخيله
الْبُرْهَان الْخَامِس
مركب من مَجْمُوع دَلَائِل وَاضِحَة وشواهد لائحة من أحَاط علما يقينيا تَيَقّن قطعا أَن النَّفس لَيست بجسم وَلَا تحل الْأَجْسَام
وَطَرِيقه أَن نقُول إِن النَّفس لَو كَانَت جسما فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون حَالَة فِي الْبدن أَو خَارِجَة الْبدن فَإِن كَانَت خَارِجَة الْبدن فَكيف تُؤثر وَتصرف فِي هَذَا الْجِسْم وَكَيف يكون قوام الْبدن بهَا وَكَيف تتصرف فِي المعارف الْعَقْلِيَّة فِي الْملك والملكوت فتعرف الأول الْحق وتسافر فِي الْعرْفَان الْعقلِيّ وتستوفي المعقولات فِي ذَاتهَا وَإِن كَانَت حَالَة فِي الْبدن فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون حَالَة بِجَمِيعِ الْبدن أَو بِبَعْضِه فَإِن كَانَت حَالَة بِجَمِيعِ الْبدن فَكَانَ يَنْبَغِي إِذا قطع
1 / 32
مِنْهُ طرف أَن تنتقص أَو تنزوي وتنتقل من عُضْو إِلَى عُضْو فَتَارَة تمتد بامتداد الْأَعْضَاء وَتارَة تتقلص بذبول الْأَعْضَاء وَهَذَا كُله محَال عِنْد من لَهُ غريزة صَحِيحَة وفطنة مُسْتَقِيمَة طَاهِرَة عَن شوائب الخيال وان كَانَت حَالَة فِي بعض الْبدن فَذَلِك الْبَعْض منقسم إِمَّا بِالْفِعْلِ أَو بِالْفَرْضِ فَيَنْبَغِي أَن تَنْقَسِم النَّفس إِلَى أَن تَنْتَهِي بالأقسام إِلَى أقل شَيْء وأحقره وَهَذَا مَعْلُوم إحالته على البديهة فَكيف يكون كَذَلِك حَال النَّفس الَّتِي هِيَ مَحل المعارف وَبِه شرف الانسان على جَمِيع الْحَيَوَانَات وَهُوَ المستعد للقاء الله تَعَالَى وَهُوَ الْمُخَاطب وَهُوَ المثاب وَهُوَ المعاقب وَهُوَ الَّذِي إِذا زَكَّاهُ الانسان أَفْلح وَإِذا دساه خَابَ وخسر وَهُوَ خُلَاصَة الموجودات وزبدة الكائنات فِي عَالم الْعود وَهُوَ الَّذِي يبْقى بعد موت الْبدن وَهُوَ الَّذِي كَانَ متحليا بالمعارف وصل إِلَى السَّعَادَة الأبدية فَرحا مُسْتَبْشِرًا بلقاء الله تَعَالَى ﴿أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله﴾ فَمن كَانَ لَهُ أدنى مسكة من الْعقل يعلم أَن الْجَوْهَر الَّذِي هَذَا مَحَله ومنزلته لَا يكون حَالا فِي الْبدن وَلَا يكون جُزْءا من الْبدن لَا دم وَلَا بخار وَلَا مزاج وَلَا غَيره وَأَيْضًا فَإنَّك تعلم أَن نَفسك مذ كنت لم تتبدل وَمَعْلُوم أَن الْبدن وصفات الْبدن كلهَا تتبدل إِذْ لَو لم تتبدل لَكَانَ لَا يغتذي لِأَن التغذي أَن يحل بِالْبدنِ بدل مَا تحلل فاذا نَفسك لَيْسَ من الْبدن وَصِفَاته فِي شَيْء
وَأَيْضًا لَو كَانَت النَّفس الانسانية منطبعة فِي الْبدن لَكَانَ ضعف فعلهَا مَعَ ضعف الْبدن لَكِنَّهَا لَا تضعف مَعَ ضعف الْبدن فَثَبت أَنَّهَا غير منطبعة فِيهِ وَدَلِيل عدم الضعْف الْمُشَاهدَة فَإِن بعد الْأَرْبَعين تكون الْقُوَّة الْبَدَنِيَّة فِي انحطاط وَالْقُوَّة الْعَقْلِيَّة فِي الزِّيَادَة والارتفاع
1 / 33
وَأما الَّذِي يتَوَهَّم من أَن النَّفس تنسى ولاتفعل فعلهَا مَعَ مرض الْبدن وَعند الشيخوخة وان ذَلِك بِسَبَب أَن فعلهَا لَا يتم إِلَّا بِالْبدنِ فَظن غير ضَرُورِيّ وَلَا حق وَذَلِكَ أَنه بعد مَا صَحَّ لنا أَن النَّفس تفعل بذاتها يجب أَن يطْلب السَّبَب فِي هَذَا فان كَانَ قد يُمكن أَن يجْتَمع أَن للنَّفس فعلا بذاتها وانها أَيْضا تتْرك فعلهَا مَعَ مرض الْبدن وَلَا تفعل من غير تنَاقض فَلَيْسَ لهَذَا الِاعْتِرَاض اعْتِبَار
فَنَقُول إِن النَّفس لَهُ فعلان فعل لَهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْبدن وَهُوَ السياسة وَفعل بِالْقِيَاسِ إِلَى ذَاته وَإِلَى مبادئه وَهُوَ التعقل وهما متعاندان متمانعان فَإِنَّهُ إِذا اشْتغل باحدهما انْصَرف عَن الآخر ويصعب عَلَيْهِ الْجمع بَين الْأَمريْنِ وشواغله من جِهَة الْبدن الاحساس والتخيل والشهوات وَالْغَضَب وَالْخَوْف وَالْغَم والوجع وَأَنت تعلم هَذَا بأنك إِذا أخذت تفكر فِي مَعْقُول تعطل عَلَيْك كل شَيْء من هَذِه إِلَّا أَن تغلب وتقسر النَّفس بِالرُّجُوعِ الى جهاتها
وَأَنت تعلم أَن الْحس يمانع النَّفس عَن التعقل إِذا أكبت على المحسوس من غير أَن يكون أصَاب آلَة التعقل أَو ذَاتهَا آفَة بِوَجْه وَتعلم أَن السَّبَب فِي ذَلِك هُوَ اشْتِغَال النَّفس بِفعل دون فعل فَلهَذَا السَّبَب مَا يتعطل أَفعَال الْعقل عِنْد الْمَرَض وَلَو كَانَت الصُّورَة المعقولة قد بطلت وفسدت لأجل الْآلَة لَكَانَ رُجُوع الْآلَة إِلَى حَالهَا يحوج إِلَى اكْتِسَاب من الرَّأْس وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ قد تعود النَّفس إِلَى ملكتها وهيأتها عَاقِلَة بِجَمِيعِ مَا عقلته بِحَالهِ فقد كَانَت إِذا كلهَا مَعهَا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت مَشْغُولَة عَنهُ وَلَيْسَ اخْتِلَاف جهتي فعل النَّفس فَقَط يُوجب فِي أَفعاله التمانع بل تكْثر أَفعَال جِهَة وَاحِدَة قد يُوجب هَذَا بِعَيْنِه فان الْخَوْف يغْفل عَن الوجع والشهوة تصد عَن الْغَضَب وَالْغَضَب يصرف عَن الْخَوْف وَالسَّبَب فِي جَمِيع ذَلِك وَاحِد وَهُوَ انصراف النَّفس بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى أَمر وَاحِد وَكلهَا قوى النَّفس الْوَاحِدَة وَهِي ملكهَا والقوى رعيتها وجنودها فاذا لَيْسَ يجب اذا لم يفعل شَيْء فعله عِنْد اشْتِغَاله بِحَالَة لشَيْء أَن لَا يكون فَاعِلا فعله إِلَّا عِنْد وجود ذَلِك الشَّيْء
1 / 34
وَلنَا أَن نتوسع فِي بَيَان هَذَا الْبَاب لِأَن هَذَا الْبَاب من أصعب أَبْوَاب النَّفس إِلَّا أَنه بعد بُلُوغ الْكِفَايَة ننسب الازدياد إِلَى تكلّف مَا لَا نحتاج اليه فقد ظهر من أصولنا الَّتِي قَررنَا أَن النَّفس لَيست منطبعة فِي الْبدن وَلَا قَائِمَة بِهِ فَيجب أَن تكون علاقتها مَعَ الْبدن علاقَة التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف وَالله تَعَالَى ولي الْهِدَايَة والتوفيق
1 / 35