أحمده على ما من به فينا، وتفضل به سبحانه علينا، من ولادة النبيين، ووراثة علم المرسلين، ونشكره على ما خصنا به، وجعلنا بفضله من أهل القيام (1) بحجته، والدعاة (2) لخلقه إلى ما افترضه عليهم، وأوجبه إيجابا مؤكدا فيهم، من الأمر بأمره، والنهي عن نهيه، والحكم بكتابه، والاتباع لدينه، والمجاهدة لمن جاهده (3)، والمعاضدة لمن نصره، والمعاداة لأعدائه، والموالاة لأوليائه، والقيام بأكبر فروضه قدرا، وأعظمها لديه خطرا، وهو الجهاد في سبيله، والمباينة لمن عند عن دينه، وفي ذلك ما يقول جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} [التوبة:111]، ثم قال تبارك وتعالى فيما يذكر من تعظيم ما ذكرنا من الجهاد الكريم: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} [النساء:195 196]، ثم قال سبحانه فيما أمر به عباده من النفير في سبيل الله، والإحياء لشرائع دينه: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [التوبة:41]، ثم قال تخويفا للقاعدين، وإعذارا وإنذارا للمتربصين، واحتجاجا على المتخلفين ؛ عن واجب ما أوجب أحكم الحاكمين، وتبيينا لفضل المنابذين؛ لمن نابذ شرائع الدين، وجهد في إبطال الحق واليقين، وكان ضدا مدافعا للحق، وكهفا وسندا للفسق: {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير} [التوبة:39]، ثم ذكر سبحانه فذم ذا التعلات(1)، وأهل التأويلات الباطلات، فأخبر أنه لاعذر لهم فيما به يعتذرون، ولاحجة لهم فيما فيه يتأولون، من التعلق بالشبهات، والتسبب لمنال (2) الفكاهات، والتلذذ بمقاربة الأولاد والزوجات، وجميع الأموال من التجارات، فقال سبحانه تحذيرا لهم، وتنبيها عن وسنتهم، وتيقيظا (3) لهم من رقدتهم: {قل إن كان آبآاؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} [التوبة:24]،سمى من كان كذلك، أو ضرب لنفسه (1) تأويلا (2) في ذلك فاسقين، وأوجب لهم ما أوجب على الفاجرين، من عذاب الجحيم، والخلود في العذاب الأليم. ثم قال سبحانه ترغيبا لعباده المؤمنين، وإخبارا لهم بما أعد لهم على الجهاد من الثواب المبين: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} [الصف:10 13]، صدق الله سبحانه إن ذلك للتجارة الكبرى، والكرامة الجليلة العظمى، والحظ العظيم، والأمر الجسيم؛ الذي جل ذكره وعظم قدره، وحسن عند الله مآب فاعله، وجل لديه سبحانه خطر القائم به، جعله له سبحانه مؤتمنا على خلقه، ومرشدا إلى أمره، خصه بخواص الكرامة الكاملة، وأعطاه العطية الفاضلة، وجعله حجة شاملة، ونعمة على الخلائق دائمة. نسأل الله إيزاع شكره، وبلوغ ما نؤمل من طاعته، فإن ذلك أفضل ما أعطى الخلق من العطاء، وأعظم ما بلغه بالغ من الرجاء، ونسأل الله أن يصلي على محمد عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، وصفوته من بريته، صلى الله عليه وأهل بيته الطيبين الأخيار، الصادقين الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
পৃষ্ঠা ৬৪৮