بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتعالي في عز جلاله عن مطارح الافهام فلا يحيط بكنهه العارفون، المتقدس بكمال ذاته عن مشابهة (1) الأنام فلا يبلغ صفته الواصفون، المتفضل بسوابغ الانعام فلا يحصي نعمه (2) العادون، المتطول بالمنن الجسام فلا يقوم بواجب شكره الحامدون، القديم الأبدي فلا أزلي سواه، الدائم السرمدي فكل شئ مضمحل عداه. أحمده سبحانه حمدا يقربني إلى رضاه (3)، وأشكره شكرا أستوجب به المزيد من (4) مواهبه وعطاياه، وأستقيله من خطاياي (5)، استقالة عبد معترف بما جناه، نادم على ما فرط في (6) جنب مولاه، وأسأله (7) العصمة من الخطأ والخطل، والسداد في القول والعمل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم الذي لا يخيب (8) لديه الآمال، القدير فهو لما يشاء فعال. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث لتمهيد قواعد الدين وتهذيب مسالك اليقين، الناسخ بشريعته المطهرة (9) شرائع الأولين، والمرسل (10) بالارشاد والهداية رحمة للعالمين، صلى الله عليه وآله الهداة المهديين، و
পৃষ্ঠা ৩
عترته الكرام الطيبين، صلاة ترضيهم وتزيد على منتهى رضاهم، وتبلغهم غاية مرادهم ونهاية مناهم، وتكون لنا عدة وذخيرة يوم نلقى الله سبحانه ونلقاهم، وسلم تسليما.
وبعد (1): فان أولى ما أنفقت في تحصيله كنوز الأعمار، وأطالت التردد بين العين والأثر في معالمه الأفكار، هو العلم بالأحكام الشرعية والمسائل الفقهية، فلعمري إنه المطلب الذي يظفر بالنجاح طالبه، والمغنم الذي يبشر بالأرباح كاسبه، والعلم الذي يعرج بحامله إلى الذروة العليا، وينال (2) به السعادة في الدار الأخرى.
ولقد بذل علماؤنا السابقون وسلفنا (3) الصالحون، رضوان الله عليهم أجمعين، في تحقيق مباحثه جهدهم، وأكثروا في تنقيح مسائله كدهم. فكم فتحوا فيه مقفلا ببنان أفكارهم! وكم شرحوا منه مجملا ببيان آثارهم! وكم صنفوا فيه من كتاب يهدي في ظلم الجهالة إلى سنن الصواب! فمن مختصر كاف في تبليغ الغاية، ومبسوط شاف بتجاوزه النهاية، وإيضاح يحل من قواعده المشكل، و بيان يكشف (4) من سرائره المعضل، وتهذيب يوصل من لا يحضره الفقيه بمصباح الاستبصار إلى مدينة العلم، ويجلو بإنارة مسالكه عن الشرائع ظلمات الشك والوهم، وذكرى دروس مقنعة في تلخيص الخلاف والوفاق، وتحرير تذكرة هي منتهى المطلب في الآفاق، ومهذب جمل يسعف في مختلف الاحكام بكامل الانتصار، ومعتبر مدارك يحسم مواد النزاع (5) من صحيح الآثار، ولمعة روض يرتاح لتمهيد أصوله الجنان، وروضة بحث تدهش بارشاد فروعها الأذهان.
فشكر الله تعالى سعيهم، وأجزل من جوده مثوبتهم وبرهم.
وحيث كان من فضل الله علينا أن أهلنا لاقتفاء اثارهم، أحببنا (6) الأسوة
পৃষ্ঠা ৪
بهم في أفعالهم; فشرعنا - بتوفيق الله تعالى في تأليف هذا الكتاب الموسوم ب " معالم الدين وملاذ المجتهدين "، وجددنا به معاهد المسائل الشرعية، وأحيينا به مدارس المباحث الفقهية، وشفعنا فيه تحرير الفروع بتهذيب الأصول، وجمعنا بين تحقيق الدليل والمدلول، بعبارات قريبة إلى الطباع، وتقريرات مقبولة عند الاسماع، من غير إيجاز موجب للاخلال، ولا إطناب معقب للملال. وأنا أبتهل إلى الله، سبحانه، أن يجعله خالصا لوجهه الكريم. وأتضرع إليه أن يهديني حين تضل الافهام إلى المنهج القويم (1)، ويثبتني حيث تزل الاقدام على الصراط المستقيم.
وقد رتبنا كتابنا هذا على مقدمة وأقسام أربعة، والغرض من المقدمة منحصر في مقصدين.
পৃষ্ঠা ৫
المقصد الأول في بيان فضيلة العلم وذكر نبذ مما يجب على العلماء مراعاته وبيان زيادة شرف علم الفقه على غيره ووجه الحاجة إليه وذكر حده ومرتبته وبيان موضوعه ومباديه ومسائله.
[وفيه فصول]
পৃষ্ঠা ৭
[فضيلة العلم] إعلم: أن فضيلة العلم وارتفاع درجته وعلو رتبته (1)، أمر كفى انتظامه في سلك الضرورة مؤونة الاهتمام ببيانه; غير أنا نذكر على سبيل التنبيه أشياء في هذا المعنى من جهة العقل والنقل، كتابا وسنة، مقتصرين على ما يتأدى به الغرض، فان الاستيفاء في ذلك يقتضي تجاوز الحد ويفضي إلى الخروج عما هو القصد (2).
فأما الجهة العقلية، فهي أن المعقولات تنقسم إلى موجودة ومعدومة، وظاهر أن الشرف للموجود. ثم الموجود ينقسم إلى جماد ونام، ولا ريب أن النامي أشرف. ثم النامي ينقسم إلى حساس وغيره، ولا شك أن الحساس أشرف. ثم الحساس ينقسم إلى عاقل وغير عاقل، ولا ريب أن العاقل أشرف. ثم العاقل ينقسم إلى عالم وجاهل، ولا شك أن العالم أشرف; فالعالم حينئذ أشرف المعقولات.
فصل وأما الكتاب الكريم، فقد أشير إلى ذلك في مواضع منه:
الأول: قوله تعالى في سورة " العلق " (3) - وهي أول ما نزل على نبينا، صلى
পৃষ্ঠা ৮
الله عليه وآله، في قول أكثر المفسرين: " إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم " (1)، حيث افتتح كلامه المجيد بذكر نعمة الايجاد، وأتبعه بذكر (2) نعمة العلم; فلو كان بعد نعمة الايجاد نعمة أعلى من العلم (3)، لكانت أجدر بالذكر.
وقد قيل - في وجه التناسب بين الآي المذكورة في صدر هذه السورة المشتمل (4) بعضها على خلق الانسان من علق وبعضها على تعليمه ما لم يعلم: إنه تعالى ذكر أول حال الانسان، أعني كونه علقة وهي بمكان من الخساسة، وآخر حاله وهو صيرورته عالما وذلك كمال الرفعة والجلالة. فكأنه سبحانه قال:
كنت في أول أمرك في تلك المنزلة الدنية (5) الخسيسة ثم صرت في آخره إلى هذه الدرجة الشريفة النفسية.
الثاني: قوله تعالى: " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الامر بينهن لتعلموا " (6)، الآية. فإنه سبحانه جعل العلم علة لخلق العالم العلوي والسفلي طرا، (7) وكفى بذلك جلالة وفخرا.
الثالث: قوله سبحانه: " ومن يؤت الحكمة، فقد أوتي خيرا كثيرا " (8).
فسرت الحكمة بما يرجع إلى العلم.
الرابع: قوله تعالى: " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " (9).
الخامس: قوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (10).
السادس: قوله سبحانه: " شهد الله أنه لا إله إلا هو، والملائكة
পৃষ্ঠা ৯
وأولو العلم " (1).
السابع: قوله تعالى: " وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم " (2).
الثامن: قوله تعالى: " قل: كفى بالله شهيدا بيني وبينكم، ومن عنده علم الكتاب " (3).
التاسع: قوله تعالى: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ". (4) العاشر: قوله تعالى، مخاطبا لنبيه، صلى الله عليه وآله وسلم، آمرا له مع ما آتاه من العلم والحكمة: " وقل رب زدني علما ". (5) الحادي عشر: قوله تعالى: " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ". (6) الثاني عشر: قوله تعالى: " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ". (7) فصل وأما السنة، فهي في ذلك كثيرة، لا تكاد تحصى (8):
فمنها: ما أخبرني به، إجازة، عدة من أصحابنا، منهم السيد الجليل شيخنا نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي (9)، أدام الله تأييده; والشيخ الفاضل عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي، قدس الله روحه; والسيد العابد نور الدين علي بن السيد فخر الدين الهاشمي، قدس الله روحه،
পৃষ্ঠা ১০
بحق روايتهم، إجازة عن والدي السعيد الشهيد زين الملة والدين، رفع الله درجته، كما شرف خاتمته، عن شيخه الاجل نور الدين علي بن عبد العالي (1) العاملي الميسي، عن الشيخ شمس الدين محمد بن المؤذن الجزيني، عن الشيخ ضياء الدين على بن شيخنا الشهيد، عن والده، قدس الله سره، عن الشيخ فخر الدين أبي طالب محمد بن الشيخ الامام العلامة، جمال الملة والدين، الحسن بن يوسف بن المطهر (2)، عن والده، رضي الله عنه، عن شيخه المحقق السعيد نجم (3) الملة والدين أبى القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد، قدس الله نفسه، عن السيد الجليل شمس الدين فخار بن معد الموسوي، عن الشيخ الامام أبي الفضل شاذان (4) بن جبرئيل (5) القمي، عن الشيخ الفقيه العماد أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري (6)، عن الشيخ أبي علي الحسن بن الشيخ السعيد الفقيه أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، عن والده، رضي الله عنه، عن الشيخ الامام المفيد محمد بن محمد بن النعمان (7)، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن الشيخ الجليل الكبير أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن ميمون القداح، ح، وعن محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، ح، وعن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم
পৃষ্ঠা ১১
رضى به، وإنه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ".
وبالاسناد عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، رحمه الله، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن زياد العطار، عن سعد (1) بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (2): " تعلموا العلم، فان تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وهو عند الله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، وسالك بطالبه سبل الجنة، وهو أنيس في الوحشة، وصاحب في الوحدة، وسلاح على الأعداء، وزين الأخلاء، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم، ترمق أعمالهم، وتقتبس آثارهم، وترغب الملائكة في خلتهم، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم، لان العلم حياة القلوب ونور الابصار من العمى، وقوة الأبدان من الضعف، ينزل الله حامله منازل الأبرار، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا و الآخرة. بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام (3). والعلم امام العقل، والعقل تابعه، يلهمه (4) السعداء، ويحرمه الأشقياء ".
فصل وروينا بالاسناد عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن
পৃষ্ঠা ১২
أبيه، عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " طلب العلم فريضة على كل مسلم (1)، ألا إن الله يحب بغاة العلم " (2).
وعن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عمن حدثه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: " أيها الناس! اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال (3) مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم وضمنه، وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله، فاطلبوه " (4).
وعنه، عن محمد بن (5) يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى (6)، عن محمد بن خالد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث (7) من أحاديثهم. فمن أخذ بشئ منها، فقد (8) أخذ حظا وافرا; فانظروا (9) علمكم هذا عمن تأخذونه; فان فينا أهل البيت، في كل خلف (10)، عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " (11).
وعنه، عن الحسين بن محمد، عن علي بن محمد بن سعد، رفعه عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: " لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه، ولو بسفك المهج وخوض اللجج. إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال: إن أمقت (12) عبيدي إلى الجاهل، المستخف بحق أهل العلم، التارك
পৃষ্ঠা ১৩
للاقتداء بهم، وإن أحب عبيدي إلي التقى، الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء " (1).
وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد " (2).
وعنه، عن الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمار، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل راوية لحديثكم، يبث ذلك في الناس، ويشده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيهما أفضل؟ قال: الرواية لحديثنا (3) يشد به قلوب شيعتنا، أفضل من ألف عابد " (4).
فصل ومن أهم ما يجب على العلماء مراعاته تصحيح القصد، وإخلاص النية، وتطهير القلب عن دنس (5) الاغراض الدنيوية، وتكميل النفس في قوتها العملية، وتزكيتها باجتناب الرذائل، واقتناء الفضائل الخلقية، وقهر القوتين الشهوية والغضبية.
وقد روينا بالطريق السابق وغيره، عن محمد بن يعقوب، رحمه الله، عن علي بن إبراهيم، رفعه إلى أبي عبد الله، عليه السلام، وعن محمد بن يعقوب، قال: حدثني محمد بن محمود أبو عبد الله القزويني، عن عدة من أصحابنا، منهم جعفر بن أحمد الصيقل، بقزوين، عن أحمد بن عيسى العلوي، عن عباد بن صهيب البصري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " طلبة العلم ثلاثة،
পৃষ্ঠা ১৪
فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم: صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل. فصاحب الجهل والمراء موذ، ممار، متعرض للمقال في أندية الرجال، بتذاكر العلم وصفة الحلم، قد تسربل بالخشوع، وتخلى من الورع، فدق الله عن هذا (1) خيشومه، وقطع منه حيزومه. وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق، يستطيل على مثله من أشباهه (2)، ويتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوائهم (3) هاضم، ولدينهم حاطم، فأعمى الله على هذا خبره، وقطع من آثار العلماء أثره. وصاحب الفقه والعقل، ذو كآبة وحزن وسهر، قد تحنك (4) في برنسه، وقام الليل في حندسه (5)، يعمل و يخشى، وجلا، داعيا، مشفقا، مقبلا على شأنه، عارفا بأهل زمانه، مستوحشا من أوثق إخوانه. فشد الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه " (6).
وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين، عليه السلام، يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " منهومان لا يشبعان: طالب دنيا و طالب علم; فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك، الا أن يتوب أو يراجع. ومن أخذ العلم من أهله (7) وعمل بعمله نجى (8)، ومن أراد به الدنيا فهي حظه " (9).
وعنه، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله، عليه السلام،
পৃষ্ঠা ১৫
قال: " من أراد الحديث لمنفعة الدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة " (1).
وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه (2)، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: " إذا رأيتم العالم محبا لدنياه; فاتهموه على دينكم، فان كل محب لشئ يحوط ما أحب ". وقال: " أوحى الله إلى داود، عليه السلام: لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم " (3).
وعنه، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عمن حدثه، عن أبي جعفر، عليه السلام، قال:
" من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه (4) الناس إليه، فليتبوء مقعده من النار. إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها " (5).
فصل وروينا بالاسناد السابق، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد (6) بن نعمان، عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، رحمه الله، عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق، رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي، قال:
حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد الدقاق، قال:
حدثنا إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين على بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليهم السلام (7)، قال: حق سائسك بالعلم:
পৃষ্ঠা ১৬
التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه ، والاقبال إليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب (1) أحدا (2) يسأله عن شئ، حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا.
فإذا فعلت ذلك، شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه، لله جل اسمه، لا للناس. وحق رعيتك بالعلم أن تعلم أن الله عز وجل إنما جعلك قيما لهم فيما اتاك من العلم، وفتح لك من خزائنه. فان أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله. وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم منك، كان حقا على الله عز وجل أن يسلبك العلم و بهاءه، ويسقط من القلوب محلك " (3).
وبالاسناد المذكور عن المفيد، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري، قال:
حدثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي، عن أبي الحسن القمي، قال:
حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن رجل، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: كان علي، عليه السلام، يقول:
" إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه. وإذا دخلت عليه، وعنده قوم، فسلم عليهم جميعا، وخصه بالتحية دونهم، واجلس بين يديه، ولا تجلس خلفه، ولا تغمز بعينك (4)، ولا تشر بيدك، ولا تكثر من القول: قال فلان و قال فلان، خلافا لقوله، ولا تضجر بطول صحبته، فإنما مثل العالم مثل النخلة، تنتظرها حتى يسقط (5) عليك منها شئ. والعالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله (6)، وإذا مات العالم ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شئ إلى يوم القيامة.
পৃষ্ঠা ১৭
فصل ويجب على العالم العمل، كما يجب على غيره، لكنه في حق العالم آكد، و من ثم جعل الله تعالى ثواب المطيعات من نساء النبي صلى الله عليه وآله و عقاب العاصيات منهن، ضعف ما لغيرهن، وليجعل له حظا وافرا من الطاعات والقربات، فإنها تفيد النفس ملكة صالحة واستعدادا تاما لقبول الكمالات.
وقد روينا بالاسناد السالف (1) وغيره، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحدث عن النبي، صلى الله عليه وآله، أنه قال في كلام له:
" العلماء رجلان: رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك.
وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه. وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله (2) فاستجاب له وقبل منه، فأطاع الله فأدخله الجنة، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الامل. أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وطول الامل ينسى الآخرة " (3).
وعن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: " العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم. والعلم يهتف بالعمل، فان أجابه، وإلا، ارتحل عنه " (4).
وعنه، عن (5) عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد الله،
পৃষ্ঠা ১৮
عليه السلام، قال: " إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب (1)، كما يزل المطر عن الصفا " (2).
وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين، عليهما السلام، فسأله عن مسائل، فأجاب. ثم عاد ليسأل عن مثلها، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: " مكتوب في الإنجيل: لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم; فان العلم إذا لم يعمل به، لم يزد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد (3) من الله إلا بعدا " (4).
وعنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين، عليه السلام، في كلام له خطب به على المنبر (5):
" أيها الناس، إذا علمتم، فاعملوا بما علمتم، لعلكم تهتدون. إن العالم العامل بغيره، كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله. بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه (6) منها على هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما حائر بائر. لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا. ولا تدهنوا في الحق فتخسروا. وإن من الحق أن تفقهوا ومن الفقه أن لا تغتروا. وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه، ومن يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعص الله يخب و يندم " (7).
وعنه، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبد الله (8) بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله، عليه السلام، عن
পৃষ্ঠা ১৯
آبائه، عليهم السلام، قال: جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقال:
" يا رسول الله، ما العلم؟ قال: الانصات، قال: ثم مه؟ قال: الاستماع، قال: ثم مه؟ قال: الحفظ، قال: ثم مه؟ قال: العمل به، قال. ثم مه يا رسول الله؟ قال: نشره " (1).
فصل وروينا بالاسناد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب، قال:
سمعت أبا عبد الله، عليه السلام، يقول: " اطلبوا العلم، وتزينوا معه بالحلم، و تواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين، فيذهب باطلكم بحقكم " (2).
وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد بن عثمان، عن الحارث بن مغيرة النضري، عن أبي عبد الله، عليه السلام، في قول الله عز وجل: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (3)، قال: " يعنى بالعلماء من صدق قوله فعله. ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم " (4).
وعنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران (5)، عن أبي سعيد القماط، عن الحلبي، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال:
قال أمير المؤمنين، عليه السلام: " ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه! من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة (6) عنه إلى غيره. ألا لا خير في علم ليس فيه (7) تفهم! ألا لا خير
পৃষ্ঠা ২০
في قراءة ليس فيها تدبر! ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها! ألا لا خير في نسك لا ورع فيه " (1) وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عمن ذكره، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: " يا طالب العلم! إن للعالم ثلاث علامات: العلم، والحلم، والصمت، وللمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه بالمعصية، ويظلم من دونه بالغلبة، ويظاهر الظلمة " (2).
وعنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان، عن درست بن أبي منصور، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي، عن شعيب، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله، عليه السلام، يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام، يقول: " يا طالب العلم! إن العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، و أذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة الأشياء والأمور، ويده الرحمة، ورجله زيارة العلماء، وهمته السلامة، وحكمته الورع، ومستقره النجاة، وقائده العافية، ومركبه الوفاء، وسلاحه لين الكلمة، وسيفه الرضا، وقوسه المداراة، وجيشه مجاورة العلماء، وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذنوب، وزاده المعروف، ومأواه الموادعة، ودليله الهدى، ورفيقه محبة الأخيار " (3).
وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال (4): قال لي أبو عبد الله، عليه السلام:
" من تعلم العلم، وعمل به، وعلم لله، دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل (5): تعلم لله، وعمل لله ، وعلم لله " (6).
পৃষ্ঠা ২১
فصل ولما ثبت أن كمال العلم إنما هو بالعمل، تبين أنه ليس في العلوم - بعد المعرفة - أشرف من علم الفقه; لان مدخليته في العمل أقوى مما سواه، إذ به تعرف (1) أوامر الله تعالى فتمتثل (2)، ونواهيه فتجتنب، ولأن معلومه - أعني: أحكام الله تعالى - أشرف المعلومات، بعد ما ذكر. ومع ذلك، فهو الناظم لأمور المعاش (3)، وبه يتم كمال نوع الانسان.
وقد روينا بطرقنا، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان (5)، عن درست الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى، عليه السلام، قال: " دخل رسول الله، صلى الله عليه وآله، المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: " ما هذا؟ "، فقيل: " علامة "، فقال: " وما العلامة؟ "، فقالوا له: " أعلم الناس بأنساب العرب، ووقائعها، وأيام الجاهلية والاشعار والعربية " (6). قال: فقال النبي، صلى الله عليه وآله: " ذاك (7) علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه ". ثم قال النبي، صلى الله عليه وآله: " إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة. وما خلاهن فهو فضل " (8).
وعنه، عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: " إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين " (9).
পৃষ্ঠা ২২
وعنه، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن رجل، عن أبي جعفر، عليه السلام، قال: " الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة " (1).
وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب (2)، عن أبي أيوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: " ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه " (3 - 4).
وعنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: " إذا مات المؤمن الفقيه، ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شئ " (5).
وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر، عليهما السلام، يقول " إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شئ، لان المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام، كحصن سور المدينة لها " (6).
وبالاسناد السالف، عن الشيخ المفيد محمد بن النعمان، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري (7)، عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن عبد الحميد العطار، عن عمه عبد السلام بن سالم، عن رجل، عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: " حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق، خير من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضة " (8).
পৃষ্ঠা ২৩