83
من جهة، ورجال الدين من جهة أخرى. فالجهة الأولى تريد أن يكون الواجب الوطني قبل الواجب الديني، في حين تطالب الجهة الثانية بالعكس؛ ومن ثم، فإن الأعداء المحتملين لمصر سيكونون بالطبع إما مسلمين أو مسيحيين، إذا لم يرد المسلمون مقاومة الأتراك، وإذا لم يرد المسيحيون مقاومة الإنجليز! ولكن أفكارا بمثل هذه البساطة لا يمكن أن تمس جمهورا جاهلا ومتعصبا و«المناداة بأفكار من هذا القبيل تثير عداوة الناس جميعا.»
أدين أعضاء الوفد واستاء طه استياء شديدا. وذهب لمقابلة رئيس الوزارة وصرح له بجلاء أنها إهانة لبلد يدعي الاستقلال، وأن على الحكومة أن تحتج على الأقل: «إن سلبيتكم تضعنا في موقف يستحيل فيه الدفاع عنكم.» وكان الرئيس المسكين يرى ذلك أيضا، ولكن طه - وهو الذي يعلم أن العمل وحده هو المهم - لا يكتفي بالشكاة وإنما يريد القيام بحملة لكي تتخذ لجنة الثلاثين إجراءات لصالح المعتقلين: «إن اعتقالهم لن يكون طويلا؛ إذ بمجرد أن يجتمع البرلمان، يلغى الحكم العرفي فيفرج عنهم؛ إذ لا بد من أن يتمكنوا من ترشيح أنفسهم في الانتخابات القادمة. سوف أحاول.»
وبعد عدة أيام، تنشر صحيفة الحرية، صحيفة الملك، مقالا لكاسترو:
يجب أن أرد عليه؛ فإذا نشر مقالي، فإن من شأنه أن يكدر الملك، وربما تأثر منصبي من ذلك. لا يهمني، فلست أنا بالذي يشتري منصبا مقابل عبودية البلاد وإني لعلى ثقة من أنك ستحبذين موقفي.
وينشر المقال. غير أن مجلس الوزراء في اجتماعه يوم 3 سبتمبر لم يضع مسألة المنصب على جدول أعماله. ولا يهم إن كان ذلك لهذا السبب أو ذاك. وفي السابع من الشهر يستقبله وزير المعارف العامة بود ويقول له: «تعلمون أن مسألتكم ستبحث في الجلسة المقبلة.»
وهززت كتفي: لست على عجلة من أمري يا صاحب المعالي ، ولم آت إلى هنا من أجل ذلك.
كان الأمر بصدد الدروس التي يطلبون منه إلقاءها في دار المعلمين: «لكني سعيد جدا لذلك، فسوف تدخل إليها روحا جديدة فعالة، مثلا، لا أريد أن تتعبك هذه الدروس وتشغلك كثيرا عن عملك في مكتب الترجمة.» وافترقنا عند هذه الكلمات اللطيفة.
لم يصبح طه على الإطلاق مديرا لمكتب الترجمة! والأجدر أن نتساءل فيما إذا كان قد وجد هذا المكتب نفسه أصلا!
على الرغم من الإرهاق العصبي الذي تسببه له هذه المراجعات الدائمة للوعود وما تخلفه من مرارة فإنه لم يستسلم للقنوط. وها هو ذا يعد أعمالا أخرى: درسين لدار المعلمين حول تاريخ الشرق القديم، ستة دروس في أسبوع واحد! أما دروس الجامعة فستدور حول الهيلينية والعلاقات بين اليونان وروما. وفي الثالث من سبتمبر كان قد بدأ كتابا حول حركة الاستقلال المصرية، وأملى في ساعة واحدة ست صفحات كبيرة: «ذلك لأنني أنتظرك.» فضلا عن المقالات والترجمات.
অজানা পৃষ্ঠা