وإذ أذكر اليوم هذا الصباح، أفكر بهذا التوافق الخفي الذي وحدنا دوما في احترام كل منا لدين الآخر. لقد دهش البعض من ذلك، في حين فهم البعض الآخر؛ إذ رأى أن بوسعي أن أردد صلاتي على حين تستمع إلى القرآن في الغرفة المجاورة، ويصدفني اليوم أن أفتح المذياع لأستمع إلى آيات من القرآن عندما أبدأ في تسبيحي، بل إني لأسمعه على كل حال في أعماق نفسي. كنت غالبا ما تحدثني عن القرآن، وتردد لي البسملة التي كنت تحبها بوجه خاص. وكنت تقرأ التوراة، وكنت أتحدث عن يسوع. كنت تردد في كثير من الأحيان: «إننا لا نكذب على الله.» لقد قالها أيضا القديس بولس. لا شك أننا لا نكذب على الله، وويل للمكذبين.
8 يونيو
أفرغت أخيرا خزائن المكتب، وملأت ظروفا كبيرة: مقالات، وخطبا، ورسائل ... إلخ. لم يكن ذلك إلا أول تصنيف، ولست بالقادرة على تصنيف وتدبير كل هذه النصوص العربية. لقد حطمتني هذه الفترات الصباحية في «رامتان»، وكان ينضاف إلى التعب الحنان المؤلم أحيانا. لكنها غالية علي هذه الفترات الصباحية، فقد كنت خلالها أقرب إليك في هذا المكتب وسط كل هذه الأوراق. وكان إعجابي يزداد أكثر بهذا الجهد والعناء العظيمين. •••
وبدأت حياتنا الحقيقية - ليس ذلك صحيحا كل الصحة - كانت حياتنا قد بدأت بل التحمت. لكن طه، حتى ذلك الحين، لم يكن بعد قد واجه المسئوليات التي سيترتب عليه عبء النهوض بها؛ فقد كنا نعيش في فرنسا على الانتظار ولم تكن الحياة بالنسبة لي صعبة في بلدي. ولكن، ماذا عن حياتي في مصر التي لم أكن أعرفها؟ كان من الممكن أن أكون خائفة، غير أنني لم أكن كذلك. هل كنت لا واعية؟ هل كنت واثقة بنفسي؟ الآن أستشعر خجلي المفرط إزاء هذه السنوات الأربع والخمسين التي تبدأ.
لقد أسرفت. كنت، على نحو أكثر دقة، أرى أن ما حبيت به أمر طبيعي - شأني في ذلك شأن الأغنياء المترفين - فلم أكن أخزن كنوزي. وهناك الكثير من الثروات التي حملتها لي السنون التي عشتها مع طه مما لا أذكر منها شيئا أو أنني أذكرها على نحو رديء. وبعد رحيله، بت أشعر أني منتزعة نهائيا لا من كل ما يخصني وإنما من كل ما يخصنا. أين ذهب ذلك الحبل السري الذي ربطنا إلى بعضنا باستمرار سواء أكنا معا أو كنا مفترقين؟ كثيرا ما كان يخطر لي في ومضة خاطفة: «لا يمكن لطه أن يكون قد قال ذلك، أو لم يكن ليفعل هذا الأمر؛ لم نكن لنتصرف على هذا النحو، أو لم نكن لنفكر في ذلك.»
كان يحدث له بسبب الإرهاق الذي تسببه له أيام حافلة من العمل ألا يحدثني. ومع ذلك فربما قلنا لبعضنا كل شيء، كل ما يمكن للنفس البشرية على كل حال أن تقوله بلغة الأرض، وكل ما لا نستطيع أبدا أن نحصره بكلمات مثلما أننا لا نستطيع التقاط شعاع عابر أو نفس من الهواء.
ليغفر لي حبيبي ضعف الصورة التي تقدمها هذه القصة وشحوبها؛ تلك الصورة التي ستكون بعيدة كل البعد عن الصورة الحقيقية لما كان. •••
عثر أصدقاؤنا لنا على شقة في شارع السكاكيني،
48
وكانت عبارة عن طابق أرضي واسع ومضيء امتاز في نظري بأهمية خاصة؛ وذلك لوجود حديقة صغيرة كنت أجتهد في أن أستنبت فيها الزهور.
অজানা পৃষ্ঠা