126

كان قد قرأ لنا في صالوننا الصغير ذات مساء روايته

Thésé . وقد تأثرنا ولا شك من نص كان يعتبره آخر أعماله كما هو معروف، لكننا تأثرنا كذلك بالصوت العميق الذي كان يقرؤها به. وقد ترجم طه حسين هذا النص على إثر ذلك مباشرة تقريبا.

ولما كان يحب المسرح فقد صحبناه إلى مسرح الريحاني.

211

لست أذكر المسرحية التي كانت تقدم آنذاك. كان جيد لا يفهم بالطبع كلمة مما كان يقال، بيد أن طه كان يقدم له بعض التفسيرات، وكان لا بد لتمثيل هذا الفنان الرائع من أن يؤثر فيه؛ فرغب في الذهاب إلى مقابلته في مقصورته بالمسرح ليعبر له عن سعادته الكبيرة بما رآه. كان الريحاني سعيدا جدا بهذه المقابلة ، وكذلك أنا؛ لأنني كنت أعجب به دون أن أفهم أكثر بكثير مما كان يفهم جيد.

ورغب مؤنس في باريس في لقاء هذا الصديق الجديد. فتلقى على إثر ذلك دعوة من جيد للحضور إلى شارع «فانو

Vaneau »، وجاء لزيارته وظل مأخوذا؛ إذ وجد الكاتب الشهير في زيه العجيب: بيريه باسكيه، وسترة عتيقة من المخمل الأحمر البنفسجي، وبنطلونا ذا مربعات زرقاء وسوداء، وخفين مستهلكين ... هو الذي يبدو في منتهى الأناقة عندما يلتف في عباءته (الكاب) الداكنة اللون! وسحبه جيد إلى غرفته، فرأى مؤنس على مكتبه دهشا مسودات كتاب «الأيام» النص الفرنسي. كنا نعرف الموقف الذي وقفه جيد في دار جاليمار للنشر بصدد الكتاب، لكننا لم نتصور أن يصل به الأمر إلى أن يهتم بتصحيح مسودات الطبعة الأولى! لا بل إنه كان يقوم بذلك بعناية وفهم دقيق، مبينا الأخطاء الطفيفة، سائلا مؤنس عن المعنى الأدق لبعض الكلمات، ثم ينتهي به الأمر إلى أن يطلب من مؤنس أن يحمل معه بعض الصفحات ليسجل عليها ملاحظاته الخاصة.

كان جيد يوجه أكبر قدر من اهتمامه لما كان يكتبه طه. وقد طلب إلى مؤنس بعض الإيضاحات المفصلة عن «الشعر الجاهلي»، هذا الكتاب الذي كان له دوي هائل، وكذلك حول تأملات أبيه في التصوف الإسلامي التي عرضها في مقدمته للنص العربي من كتاب جيد «الباب الضيق».

لقد خص جيد مؤنس بلفتاته اللطيفة؛ فدعاه إلى التمارين على مسرحية «المحاكمة» وقدم إليه مقاعد لحضور حفلة موسيقية في مسرح الشانزيليزيه، كما أهدى إليه ترجمته لمسرحية «هاملت».

كانت الصداقة الحارة التي عبر عنها جيد بأسلوب بليغ برغم تحفظه المعروف والأخاذ، أمرا عظيم القيمة في نظر طه على وجه اليقين.

অজানা পৃষ্ঠা