وبلغ فرعون البحيرة ونزل إلى قاربه الذهبي تحيط به زوجته الحسناء والأميرة تادوخيبا. وتلفت الشيخ ليرى أين ابنته فرآها مع تلميذه دوشري ينزلان وحدهما إلى قارب ولي العهد. ولم يكن عجيبا أن يغيب ولي العهد نفسه عن حضور الاحتفال، فقد كان معروفا بأنه لا يؤمن بآمون، ويعكف على عبادة إله غريب لا يعرفه أحد يسميه «آتون» ويسبح له بالترتيل والأناشيد. فلم يجد الشيخ بدا من النزول في أحد قوارب البلاط الملكي ليكون قريبا من فرعون إطاعة لأمره.
وكان الموكب رائعا أظهر فيه أمنحتب العظيم من أبهة الملك والجود والبر والسطوة ما هو جدير بابن الآلهة المقدس.
وتعطف على الأميرة تادوخيبا فأجلسها عن يساره كما أجلس الملكة إلى يمينه.
وكانت تادوخيبا موضع رعاية خاصة، حتى إنه قضى أكثر الوقت في الحديث معها والاستماع إليها.
ولما انتهت الجولة على البحيرة اتجه فرعون نحو المعبد العظيم الغربي ليقدم القرابين الجديرة بمجده إلى كبير كهنة آمون. ولم ينس أن يتكرم على الفنان الشيخ أمنكارع فدعاه ليسير قريبا منه واتجه إليه بحديث طويل حتى تهامس رجال البلاط قائلين: إن أمنكارع قد بلغ ذروة من المجد لم ينلها أحد رجال الفن من قبله.
وتخلف أمنكارع عن مسايرة فرعون عندما بلغ باب المعبد الكبير، وسار في صفوف رجال البلاط متباطئا، وأخذ يتلفت حوله ليرى ابنته التي غابت عن عينيه منذ سار إلى جانب فرعون. ولكنه كان يبدو عند ذلك أصفر الوجه مضطرب النظرات، يكاد وجهه ينطق بأنه حزين. واستمر الاحتفال رائعا جليلا تتخلله الأناشيد التي تملأ القلوب ابتهاجا، وبدا فيه فرعون في كمال أبهته يجمع بين عزة الملك وخشوع التقوى، ونال بركة مضاعفة من كبير الكهنة الذي أهدى إليه رمز الحياة الخالدة مصنوعا من خشب شجرة سقيت دائما بالماء المقدس.
ورجع أمنكارع مع ابنته وتلميذه بعد انفراط عقد الموكب، فركبوا القارب إلى الجانب الشرقي من النهر وساروا صامتين حتى بلغوا المنزل الصغير على الشاطئ. واستأذن دوشري ليعود إلى حصن طيبة ليقضي الليل فيه كالعادة المتبعة. وكان يحس في قلبه انقباضا عجيبا بعد ذلك اليوم المرح البهيج، ولم يقدر أن يسري عن نفسه ذلك الشعور، وذهب إلى مخدعه لعله يهدئ من قلقه في هدوء الوحدة، ولكن صورة الشيخ كانت تتمثل له دائما وهو يسير بطيئا مطرقا حزينا.
وخيل إليه أن حديث فرعون هو الذي بعث في الشيخ ذلك الحزن الشديد الذي غمره فجأة، بعد أن كان في الصباح نشيطا كأنه شاب مرح.
ولم يستطع دوشري البقاء في مخدعه طويلا فخرج ليفرج عن قلقه، وذهب إلى ركن مطل على النهر وجعل يسرح ببصره فوق صفحة الماء وعلى جوانب الشطآن وخلال السماء الصافية التي يغمرها ضوء البدر، ولكن صورة وجه الشيخ الحزين لم تفارقه وصورة نفرتويا لم تستطع أن تهدئ من سورة وساوسه. ماذا قال له فرعون حتى أزعجه هكذا؟ ثم ماذا قالت تادوخيبا لفرعون في ثنايا ذلك الحديث الطويل الذي كان بينهما على طول الجولة فوق البحيرة؟ أتكون قد أعادت على فرعون ما سمعها تقوله في يوم من الأيام عن مخاوفها من تعلقه بابنة الشيخ؟ أيكون فرعون قد حدث أمنكارع عن ابنته وعلاقتها به؟ لم يفق الشاب من وساوسه إلا عندما شعر بوقع أقدام تقترب منه، فالتفت إلى ورائه وسمع صوتا يناديه وكان صوتا مألوفا، وقال له رئيس الحصن: لقد بحثت عنك في أركان القصر يا دوشري ... لم تخلفت عن مائدة العشاء؟
فأجاب دوشري: حقا لقد نسيت يا سيدي.
অজানা পৃষ্ঠা